فصل: كِتَابُ الْوَصَايَا.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***


كِتَابُ الْوَصَايَا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

كِتَابُ الْوَصَايَا وَلَكِنَّ تَقْدِيمَهَا أَنْسَبُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُوصِي ثُمَّ يَمُوتُ فَتُقَسَّمُ تَرِكَتُهُ، وَهِيَ جَمْعُ وَصِيَّةٍ كَهَدَايَا وَهَدِيَّةٍ‏.‏ قَالَ الشَّارِحُ‏:‏ بِمَعْنَى الْإِيصَاءِ أَيْ‏:‏ لِتَشْمَلَ الْوِصَايَةَ فَإِنَّ الْبَابَ مَعْقُودٌ لَهُمَا، وَالْإِيصَاءُ يَعُمُّ الْوَصِيَّةَ، وَالْوَصَايَا لُغَةً، وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا مِنْ اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ، وَهِيَ تَخْصِيصُ الْوَصِيَّةِ بِالتَّبَرُّعِ الْمُضَافِ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْوِصَايَةُ بِالْعَهْدِ إلَى مَنْ يَقُومُ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ‏.‏ وَالْوَصِيَّةُ لُغَةً الْإِيصَالُ مِنْ وَصَّى الشَّيْءَ بِكَذَا وَصَلَهُ بِهِ، لِأَنَّ الْمُوصِيَ وَصَلَ خَيْرَ دُنْيَاهُ بِخَيْرِ عُقْبَاهُ‏.‏ وَشَرْعًا تَبَرُّعٌ بِحَقٍّ مُضَافٍ وَلَوْ تَقْدِيرًا لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَيْسَ التَّبَرُّعُ بِتَدْبِيرٍ وَلَا تَعْلِيقِ عِتْقٍ وَإِنْ الْتَحَقَا بِهَا حُكْمًا كَالتَّبَرُّعِ الْمُنَجَّزِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، أَوْ الْمُلْحَقِ بِهِ‏.‏ وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ مِنْ الْمَوَارِيثِ ‏{‏مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا‏}‏‏.‏ وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ‏:‏ ‏{‏مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي بِهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ‏}‏ أَيْ‏:‏ مَا الْحَزْمُ أَوْ مَا الْمَعْرُوفُ مِنْ الْأَخْلَاقِ إلَّا هَذَا فَقَدْ يَفْجَؤُهُ الْمَوْتُ وَلِخَبَرِ ابْنِ مَاجَهْ‏:‏ ‏{‏الْمَحْرُومُ مَنْ حُرِمَ الْوَصِيَّةَ مَنْ مَاتَ عَلَى وَصِيَّةٍ مَاتَ عَلَى سَبِيلٍ وَسُنَّةٍ وَتُقًى وَشَهَادَةٍ وَمَاتَ مَغْفُورًا لَهُ‏}‏ وَكَانَتْ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ وَاجِبَةً بِكُلِّ الْمَالِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرًا‏}‏ أَيْ‏:‏ مَالًا الْوَصِيَّةُ الْآيَةَ، ثُمَّ نُسِخَ وُجُوبُهَا بِآيَاتِ الْمَوَارِيثِ، وَبَقِيَ اسْتِحْبَابُهَا فِي الثُّلُثِ فَأَقَلَّ لِغَيْرِ الْوَارِثِ وَإِنْ قَلَّ الْمَالُ وَكَثُرَ الْعِيَالُ، وَالْأَفْضَلُ تَقْدِيمُ الْقَرِيبِ غَيْرِ الْوَارِثِ وَتَقْدِيمُ الْمَحْرَمِ مِنْهُمْ ثُمَّ ذِي رَضَاعٍ ثُمَّ صِهْرٍ ثُمَّ ذِي وَلَاءٍ ثُمَّ جِوَارٍ كَمَا فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ الْمُنَجَّزَةِ، وَأَهْلُ الْخَيْرِ وَالْمُحْتَاجُونَ مِمَّنْ ذُكِرَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِمْ‏.‏ أَمَّا الْوَارِثُ فَلَا يُسْتَحَبُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ، وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى‏:‏ كَزَكَاةٍ وَحَجٍّ أَوْ حَقٍّ لِآدَمِيِّينَ‏:‏ كَوَدِيعَةٍ وَمَغْصُوبٍ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ مَنْ يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِهِ مَنْ يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ‏:‏ فَلَا تَجِبُ الْوَصِيَّةُ بِهِ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ إذَا لَمْ يَخْشَ مِنْهُمْ كِتْمَانَهُ كَالْوَرَثَةِ وَالْمُوصَى لَهُمْ‏.‏ ا هـ‏.‏

وَهُوَ حَسَنٌ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ وَصَدَقَةُ الشَّخْصِ صَحِيحًا ثَمَّ حَيًّا أَفْضَلُ مِنْ صَدَقَتِهِ مَرِيضًا وَبَعْدَ الْمَوْتِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ‏:‏ ‏{‏أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ أَنْ تَتَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَأْمُلُ الْغِنَى وَتَخْشَى الْفَقْرَ وَلَا تُمْهِلْ حَتَّى إذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ‏:‏ قُلْتَ لِفُلَانٍ كَذَا‏}‏‏.‏ ‏.‏

المتن‏:‏

تَصِحُّ وَصِيَّةُ كُلِّ مُكَلَّفٍ حُرٍّ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا وَكَذَا مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ عَلَى الْمَذْهَبِ، لَا مَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ وَصَبِيٍّ، وَفِي قَوْلٍ تَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ، وَلَا رَقِيقٍ، وَقِيلَ‏:‏ إنْ عَتَقَ ثُمَّ مَاتَ صَحَّتْ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

وَأَرْكَانُ الْوَصِيَّةِ أَرْبَعَةٌ‏:‏ مُوصٍ، وَمُوصًى لَهُ، وَمُوصًى بِهِ، وَصِيغَةٌ، وَذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ، وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ فَقَالَ‏:‏ ‏(‏تَصِحُّ وَصِيَّةُ كُلِّ مُكَلَّفٍ حُرٍّ‏)‏ مُخْتَارٍ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ ‏(‏وَإِنْ كَانَ كَافِرًا‏)‏ وَلَوْ حَرْبِيًّا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَإِنْ اُسْتُرِقَّ بَعْدَهَا، وَمَالُهُ عِنْدَنَا بِأَمَانٍ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

شَمِلَ إطْلَاقُهُ الْمُرْتَدَّ فَتَصِحُّ وَصِيَّتُهُ‏.‏ نَعَمْ إنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ كَافِرًا بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ لِأَنَّ مِلْكَهُ مَوْقُوفٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَتَصِحُّ وَصِيَّتُهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي ‏(‏وَكَذَا مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ‏)‏ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ ‏(‏عَلَى الْمَذْهَبِ‏)‏ لِصِحَّةِ عِبَارَتِهِ، وَنَقَلَ فِيهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُمَا الْإِجْمَاعَ، وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ دُخُولِهِ فِي الْمُكَلَّفِ الْحُرِّ بِالذِّكْرِ لِلْخِلَافِ فِيهِ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا‏:‏ لَا تَصِحُّ لِلْحَجْرِ عَلَيْهِ فَالسَّفِيهُ بِلَا حَجْرٍ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ جَزْمًا، وَخَرَجَ بِالسَّفِيهِ حَجْرُ الْفَلَسِ فَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ مَعَهُ جَزْمًا كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ‏.‏ ثُمَّ شَرَعَ فِي مُحْتَرَزِ قَوْلِهِ‏:‏ مُكَلَّفٍ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏لَا مَجْنُونٍ‏)‏ وَمَعْتُوهٍ وَمُبَرْسَمٍ ‏(‏وَمُغْمًى عَلَيْهِ وَصَبِيٍّ‏)‏ فَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ كُلٍّ مِنْهُمْ إذْ لَا عِبَارَةَ لَهُمْ‏.‏ وَأَمَّا السَّكْرَانُ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ فَإِنَّهُ فِي رَأْيِ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَتَصِحُّ وَصِيَّتُهُ، وَاسْتَثْنَى الزَّرْكَشِيُّ مِنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ مَا لَوْ كَانَ سَبَبُهُ سُكْرًا عَصَى بِهِ، وَكَلَامُهُ مُنْتَظِمٌ فَتَصِحُّ وَصِيَّتُهُ ‏(‏وَفِي قَوْلٍ‏)‏ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ ‏(‏مِنْ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ‏)‏ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ، وَرَجَّحَهُ جَمْعٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَلِأَنَّهَا لَا تُزِيلُ مِلْكَهُ فِي الْحَالِ، وَتُفِيدُ الثَّوَابَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ لَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ جَزْمًا، وَبِهِ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي وَالدَّارِمِيُّ‏.‏ ثُمَّ شَرَعَ فِي مُحْتَرَزِ قَوْلِهِ‏:‏ حُرٍّ‏.‏ فَقَالَ‏:‏ ‏(‏وَلَا رَقِيقٍ‏)‏ فَلَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ قِنًّا أَمْ مُدَبَّرًا أَمْ مُكَاتَبًا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ أَمْ أُمَّ وَلَدٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْوَصِيَّةَ حَيْثُ التَّوَارُثُ، وَالرَّقِيقُ لَا يُورَثُ، فَلَا يَدْخُلُ فِي الْأَمْرِ بِالْوَصِيَّةِ ‏(‏وَقِيلَ‏:‏ إنْ‏)‏ أَوْصَى فِي حَالِ رِقِّهِ ثُمَّ ‏(‏عَتَقَ ثُمَّ مَاتَ صَحَّتْ‏)‏ لِأَنَّ عِبَارَتَهُ صَحِيحَةٌ، وَقَدْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهَا وَالصَّحِيحُ الْمَنْعُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ حِينَئِذٍ‏.‏ أَمَّا إذَا أَذِنَ لِلْمُكَاتَبِ سَيِّدُهُ فَتَصِحُّ وَصِيَّتُهُ لِصِحَّةِ تَبَرُّعِهِ بِالْإِذْنِ، وَبِهِ صَرَّحَ الصَّيْمَرِيُّ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ بُطْلَانُ وَصِيَّةِ الْمُبَعَّضِ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَقِيَاسُ التَّوْرِيثِ عَنْهُ الصِّحَّةُ‏.‏ ا هـ‏.‏

فَتَصِحُّ فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ لِأَنَّهُ يُورَثُ عَنْهُ‏.‏ قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ فِي غَيْرِ الْعِتْقِ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَسْتَعْقِبُ الْوَلَاءَ، وَالْمُبَعَّضَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ‏.‏ ا هـ‏.‏

وَاَلَّذِي يَظْهَرُ كَمَا قَالَ شَيْخِي‏:‏ الصِّحَّةُ لِأَنَّ الرِّقَّ يَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ، وَالْعِتْقَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَهُ

المتن‏:‏

وَإِذَا أَوْصَى لِجِهَةٍ عَامَّةٍ، فَالشَّرْطُ أَنْ لَا تَكُونَ مَعْصِيَةً كَعِمَارَةِ كَنِيسَةٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي، وَهُوَ الْمُوصَى لَهُ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏وَإِذَا أَوْصَى لِجِهَةٍ عَامَّةٍ، فَالشَّرْطُ‏)‏ فِي الصِّحَّةِ ‏(‏أَنْ لَا تَكُونَ‏)‏ الْجِهَةُ ‏(‏مَعْصِيَةً كَعِمَارَةِ كَنِيسَةٍ‏)‏ لِلتَّعَبُّدِ فِيهَا وَلَوْ تَرْمِيمًا، وَكِتَابَةِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَقِرَاءَتِهِمَا، وَكِتَابَةِ كُتُبِ الْفَلْسَفَةِ وَالنُّجُومِ وَسَائِرِ الْعُلُومِ الْمُحَرَّمَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ الْوَصِيَّةُ لِدَهْنِ سِرَاجِ الْكَنِيسَةِ تَعْظِيمًا لَهَا‏.‏ أَمَّا إذَا قَصَدَ انْتِفَاعَ الْمُقِيمِينَ وَالْمُجَاوِرِينَ بِضَوْئِهَا، فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ، وَسَوَاءٌ أَوْصَى بِمَا ذُكِرَ مُسْلِمٌ أَمْ كَافِرٌ، بَلْ قِيلَ‏:‏ إنَّ الْوَصِيَّةَ بِبِنَاءِ الْكَنِيسَةِ مِنْ الْمُسْلِمِ رِدَّةٌ، وَلَا تَصِحُّ أَيْضًا الْوَصِيَّةُ بِبِنَاءِ مَوْضِعٍ لِبَعْضِ الْمَعَاصِي كَالْخَمَّارَةِ، وَإِذَا انْتَفَتْ الْمَعْصِيَةُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً كَالْفُقَرَاءِ أَوْ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَعِمَارَةِ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَأَلْحَقَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ بِهَا قُبُورَ الْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ لِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَاءِ الزِّيَارَةِ وَالتَّبَرُّكِ بِهَا أَوْ مُبَاحَةً لَا تَظْهَرُ فِيهَا الْقُرْبَةُ كَالْوَصِيَّةِ لِلْأَغْنِيَاءِ وَفَكِّ أُسَارَى الْكُفَّارِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْوَصِيَّةِ تَدَارُكُ مَا فَاتَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ مِنْ الْإِحْسَانِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَعْصِيَةً‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ مَنْعَ الْوَصِيَّةِ بِعِمَارَةِ الْكَنِيسَةِ، وَمَحَلُّهُ فِي كَنِيسَةٍ لِلتَّعَبُّدِ كَمَا قَيَّدْتُ بِهِ كَلَامَهُ‏.‏ أَمَّا كَنِيسَةٌ تَنْزِلُهَا الْمَارَّةُ أَوْ مَوْقُوفَةٌ عَلَى قَوْمٍ يَسْكُنُونَهَا أَوْ تُحْمَلُ أُجْرَتُهَا لِلنَّصَارَى فَيَجُوزُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ، وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهًا‏:‏ أَنَّهُ إنْ خَصَّ نُزُولَهَا بِأَهْلِ الذِّمَّةِ حَرُمَ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ، وَلَوْ أَوْصَى بِبِنَائِهَا لِنُزُولِ الْمَارَّةِ وَالتَّعَبُّدِ لَمْ يَصِحَّ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ، يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ تَغْلِيبًا لِلْحُرْمَةِ‏.‏

المتن‏:‏

أَوْ لِشَخْصٍ فَالشَّرْطُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏أَوْ‏)‏ أَوْصَى ‏(‏لِشَخْصٍ‏)‏ أَيْ مُعَيَّنٍ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ بَدَلًا عَنْ الشَّخْصِ كَمَا فَعَلَ فِي الْوَقْفِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَدْخُلَ مَا إذَا تَعَدَّدَ أَفْرَادُهُ‏:‏ كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ ‏(‏فَالشَّرْطُ‏)‏ عَدَمُ الْمَعْصِيَةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ السَّابِقِ، وَخَرَجَ بِالْمُعَيَّنِ الْوَصِيَّةُ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ فَلَا تَصِحُّ‏.‏ نَعَمْ إنْ كَانَ بِلَفْظِ الْعَطِيَّةِ‏:‏ كَأَعْطُوا الْعَبْدَ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ صَحَّ كَمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْمُهَذَّبِ وَالتَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِمَا تَشْبِيهًا بِمَا إذَا قَالَ لِوَكِيلِهِ بِعْهُ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ‏.‏

المتن‏:‏

أَنْ يُتَصَوَّرَ لَهُ الْمِلْكُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

وَ ‏(‏أَنْ يُتَصَوَّرَ لَهُ الْمِلْكُ‏)‏ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَلَوْ بِمُعَاقَدَةِ وَلِيِّهِ، وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهَا لَا تَصِحُّ لِمَيِّتٍ، لَكِنْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ‏:‏ أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِمَاءٍ لِأَوْلَى النَّاسِ بِهِ وَهُنَاكَ مَيِّتٌ قُدِّمَ عَلَى الْمُتَنَجِّسِ أَوْ الْمُحْدِثِ الْحَيِّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَهَذِهِ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَتْ وَصِيَّةً لِمَيِّتٍ بَلْ لِوَارِثِهِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى أَمْرَهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مُقْتَضَى هَذَا التَّقْسِيمِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْمُوصَى لَهُ مُعَيَّنًا أَوْ عَامًّا، لَكِنَّ كَلَامَ الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ الْوَقْفِ يَقْتَضِي الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ‏.‏ وَقَالَ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ هُنَا‏:‏ لَوْ قَالَ‏:‏ أَوْصَيْتُ بِثُلُثِ مَالِي لِلَّهِ - تَعَالَى - صُرِفَ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ، وَقَالَ‏:‏ هُوَ قِيَاسُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ‏.‏ ‏.‏ وَيُؤْخَذُ مِنْ اعْتِبَارِ تَصَوُّرِ الْمِلْكِ اشْتِرَاطُ كَوْنِ الْمُوصَى بِهِ مَمْلُوكًا لِلْمُوصِي فَتَمْتَنِعُ الْوَصِيَّةُ بِمَالِ الْغَيْرِ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي الْكِتَابَةِ، لَكِنَّهُ هُنَا حَكَى وَجْهَيْنِ‏.‏ قَالَ الْمُصَنِّفُ‏:‏ وَقِيَاسُ الْبَابِ الصِّحَّةُ‏:‏ أَيْ‏:‏ يَصِيرُ مُوصًى بِهِ إذَا مَلَكَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ نُوزِعَ فِي ذَلِكَ، وَلَوْ أَرْسَلَ الْوَصِيَّةَ وَلَا شَيْءَ لَهُ صَحَّ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الرُّكْنِ الْخَامِسِ مِنْ الطَّلَاقِ كَالنَّذْرِ، وَكَذَا لَوْ عَلَّقَ بِمِلْكِهِ لَهُ، كَأَنْ قَالَ‏:‏ أَوْصَيْتُ بِهِ لِفُلَانٍ إنْ مَلَكْتُهُ فَيَصِيرُ مُوصًى بِهِ إذَا مَلَكَهُ، فَإِنْ كَانَ يَمْلِكُ بَعْضَهُ صَحَّتْ قَطْعًا‏.‏ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ‏:‏ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَصِحُّ لِجِنِّيٍّ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ قُدَامَةَ الْحَنْبَلِيُّ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَنْ مَنَعَ نِكَاحَ الْجِنِّيَّةِ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ النِّكَاحِ‏.‏

المتن‏:‏

فَتَصِحُّ لِحَمْلٍ وَتُنْفَذُ إنْ انْفَصَلَ حَيًّا وَعُلِمَ، وُجُودُهُ عِنْدَهَا بِأَنْ انْفَصَلَ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَإِنْ انْفَصَلَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَأَكْثَرَ، وَالْمَرْأَةُ فِرَاشُ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِرَاشًا وَانْفَصَلَ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ فَكَذَلِكَ أَوْ لِدُونِهِ اسْتَحَقَّ فِي الْأَظْهَرِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ فَرَّعَ الْمُصَنِّفُ عَلَى تَصَوُّرِ الْمِلْكِ قَوْلَهُ‏:‏ ‏(‏فَتَصِحُّ‏)‏ الْوَصِيَّةُ ‏(‏لِحَمْلٍ‏)‏ مَوْجُودٍ وَلَوْ نُطْفَةً كَمَا يَرِثُ بَلْ أَوْلَى لِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لِمَنْ يَرِثُ كَالْمُكَاتَبِ‏.‏ أَمَّا لَوْ قَالَ لِحَمْلِهَا الَّذِي سَيَحْدُثُ فَالْأَصَحُّ الْبُطْلَانُ ‏(‏وَتَنْفُذُ‏)‏ بِمُعْجَمَةٍ ‏(‏إنْ انْفَصَلَ‏)‏ الْحَمْلُ ‏(‏حَيًّا‏)‏ حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً، فَلَوْ انْفَصَلَ مَيِّتًا وَلَوْ بِجِنَايَةٍ فَلَا شَيْءَ لَهُ كَمَا لَا يَرِثُ ‏(‏وَعُلِمَ وُجُودُهُ عِنْدَهَا‏)‏ أَيْ الْوَصِيَّةِ ‏(‏بِأَنْ انْفَصَلَ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ‏)‏ مِنْهَا لِأَنَّهَا أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ، فَإِذَا خَرَجَ قَبْلَهَا عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْوَصِيَّةِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ لَهَا زَوْجٌ أَمْ سَيِّدٌ أَمْ لَا ‏(‏فَإِنْ انْفَصَلَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ‏)‏ مِنْهَا ‏(‏وَالْمَرْأَةُ فِرَاشُ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ‏)‏ الْمُوصَى بِهِ لِاحْتِمَالِ حُدُوثِهِ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ عِنْدَهَا فَلَا يَسْتَحِقُّ بِالشَّكِّ ‏(‏فَإِنْ لَمْ تَكُنْ‏)‏ أَيْ الْمَرْأَةُ الْآنَ ‏(‏فِرَاشًا‏)‏ لِزَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ ‏(‏وَانْفَصَلَ‏)‏ الْحَمْلُ ‏(‏لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ فَكَذَلِكَ‏)‏ أَيْ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْحَمْلُ الْمُوصَى لَهُ لِعَدَمِ وُجُودِهِ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ ‏(‏أَوْ لِدُونِهِ‏)‏ أَيْ دُونِ الْأَكْثَرِ، وَهُوَ الْأَرْبَعُ فَأَقَلُّ ‏(‏اسْتَحَقَّ فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ كَمَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ وُجُودُهُ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ لَا يَسْتَحِقُّ لِاحْتِمَالِ الْعُلُوقِ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ زِنًا، وَرُدَّ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ، وَوَطْءُ الشُّبْهَةِ نَادِرٌ، وَفِي تَقْدِيرِ الزِّنَا إسَاءَةُ ظَنٍّ‏.‏ نَعَمْ لَوْ لَمْ تَكُنْ فِرَاشًا قَطُّ لَمْ تَسْتَحِقَّ شَيْئًا قَالَهُ السُّبْكِيُّ تَفَقُّهًا، وَنَقَلَهُ غَيْرُهُ عَنْ الْأُسْتَاذِ أَبِي مَنْصُورٍ، وَهُوَ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ظَاهِرٌ فِي الْفَاسِقَةِ وَنَحْوِهَا دُونَ غَيْرِهَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ إلْحَاقِ السِّتَّةِ أَشْهُرٍ بِمَا فَوْقَهَا وَالْأَرْبَعِ سِنِينَ بِمَا دُونَهَا هُوَ مَا ذَكَرَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ صَوَّبَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ إلْحَاقَ السِّتَّةِ بِمَا دُونَهَا مُعَلِّلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ زَمَنٍ يَسَعُ لَحْظَتَيْ الْوَطْءِ وَالْوَضْعِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الْعِدَدِ، وَقَدْ رُدَّ مَا صَوَّبَهُ بِأَنَّ لَحْظَةَ الْوَطْءِ إنَّمَا اُعْتُبِرَتْ جَرْيًا عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ الْعُلُوقَ لَا يُقَارِنُ أَوَّلَ الْمُدَّةِ وَإِلَّا فَالْعِبْرَةُ بِالْمُقَارَنَةِ فَالسِّتَّةُ عَلَى هَذَا مُلْحَقَةٌ بِمَا فَوْقَهَا كَمَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ بِمَا دُونَهَا كَمَا قَالُوهُ فِي الْمَحَلِّ الْآخَرِ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ كُلًّا صَحِيحٌ وَأَنَّ التَّصْوِيبَ سَهْوٌ وَإِنْ جَرَى ابْنُ الْمُقْرِي عَلَى أَنَّ الْأَرْبَعَةَ مُلْحَقَةٌ بِمَا فَوْقَهَا فَقُدِرَ عَلَيْهِ أَيْضًا بِأَنَّا أَثْبَتْنَا النَّسَبَ فِيهَا كَمَا مَرَّ فَلَا تُبَعَّضُ الْأَحْكَامُ، وَلَوْ انْفَصَلَ تَوْأَمٌ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْوَصِيَّةِ ثُمَّ آخَرُ لِدُونِهَا مِنْ الْوِلَادَةِ اسْتَحَقَّا، وَإِنْ زَادَ مَا بَيْنَ الْوَصِيَّةِ، وَبَيْنَ الثَّانِي عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَالْمَرْأَةُ فِرَاشٌ لِأَنَّهُمَا حَمْلٌ وَاحِدٌ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَوْصَيْت لِحَمْلِ هِنْد مِنْ زَيْدٍ اُعْتُبِرَ مَا مَعَ مَرَّ ثُبُوتُ نَسَبِهِ بِالشَّرْعِ مِنْ زَيْدٍ حَتَّى لَوْ ثَبَتَ مِنْهُ ثُمَّ نَفَاهُ بِاللِّعَانِ لَمْ يَسْتَحِقَّ لِعَدَمِ ثُبُوتِ النَّسَبِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْوَصِيَّةِ لِحَمْلِ فُلَانَةَ، وَيَقْبَلُ الْوَصِيَّةَ لِلْحَمْلِ وَلِيُّهُ وَلَوْ وَصِيًّا بَعْدَ الِانْفِصَالِ حَيًّا، فَلَوْ قَبِلَ قَبْلَهُ لَمْ يَكْفِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَقِيلَ‏:‏ يَكْفِي كَمَنْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ يَظُنُّ حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا وَصَحَّحَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ‏.‏

المتن‏:‏

وَإِنْ أَوْصَى‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَإِنْ أَوْصَى‏)‏ لِحُرٍّ فَرُقَّ لَمْ تَكُنْ الْوَصِيَّةُ لِسَيِّدِهِ مُطْلَقًا بَلْ مَتَى عَتَقَ فَهِيَ لَهُ، وَإِنْ مَاتَ رَقِيقًا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ فَيْئًا فِي الْأَظْهَرِ عَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرُوهُ فِي مَالِ مَنْ اُسْتُرِقَّ بَعْدَ نَقْضِ أَمَانِهِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ لِوَرَثَةِ الْمُوصِي‏.‏

المتن‏:‏

لِعَبْدٍ فَاسْتَمَرَّ رِقُّهُ فَالْوَصِيَّةُ لِسَيِّدِهِ، وَإِنْ عَتَقَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَلَهُ، وَإِنْ عَتَقَ بَعْدَ مَوْتِهِ ثُمَّ قَبِلَ بُنِيَ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِمَ تُمْلَكُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

وَإِنْ أَوْصَى ‏(‏لِعَبْدٍ‏)‏ لِغَيْرِهِ وَلَيْسَ بِمُكَاتَبٍ وَلَا مُبَعَّضٍ ‏(‏فَاسْتَمَرَّ رِقُّهُ‏)‏ إلَى مَوْتِ الْمُوصِي ‏(‏فَالْوَصِيَّةُ لِسَيِّدِهِ‏)‏ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَالْقَبُولِ‏:‏ أَيْ تُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ لِتَصِحَّ لَكِنْ بِشَرْطِ قَبُولِ الْعَبْدِ لَهَا وَإِنْ نَهَاهُ سَيِّدُهُ عَنْ الْقَبُولِ، وَلَا يَكْفِي قَبُولُ سَيِّدِهِ لِأَنَّ الْخِطَابَ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ بَلْ مَعَ الْعَبْدِ، هَذَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ أَهْلًا لِلْقَبُولِ، وَإِلَّا قَبِلَ السَّيِّدُ كَوَلِيِّ الْحُرِّ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَقِيلَ‏:‏ يُوقَفُ الْحَالُ إلَى تَأَهُّلِهِ لِلْقَبُولِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لِلْعَبْدِ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْمُوصِي تَمْلِيكَهُ، فَإِنْ قَصَدَهُ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ‏:‏ لَمْ تَصِحَّ كَنَظِيرِهِ فِي الْوَقْفِ، وَفَرَّقَ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ هُنَا مُنْتَظَرٌ فَقَدْ يَعْتِقُ الْعَبْدُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَتَكُونُ لَهُ أَوَّلًا فَلِمَالِكِهِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ فَإِنَّهُ نَاجِزٌ، وَلَيْسَ الْعَبْدُ أَهْلًا لِلْمِلْكِ‏.‏ وَقَضِيَّةُ هَذَا الْفَرْقِ‏:‏ أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَقَفْتُ هَذَا عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ عَلَى عَبْدِ فُلَانٍ وَقَصَدَ تَمْلِيكَهُ صَحَّ لَهُ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ مُنْتَظَرٌ، وَيُقَيَّدُ كَلَامُهُمْ بِالْوَقْفِ عَلَى الطَّبَقَةِ الْأُولَى، وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا مُتَّجَهٌ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي التَّابِعِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمَتْبُوعِ ‏(‏وَإِنْ عَتَقَ‏)‏ كُلُّهُ ‏(‏قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي‏)‏ أَوْ بَاعَهُ كُلَّهُ كَذَلِكَ ‏(‏فَلَهُ‏)‏ فِي الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَهُوَ حُرٌّ حِينَئِذٍ، وَلِلْمُشْتَرِي فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ سَيِّدُهُ وَقْتَ الْمَوْتِ وَالْقَبُولِ، فَإِنْ عَتَقَ بَعْضُهُ أَوْ بَاعَ بَعْضَهُ، فَقِيَاسُ مَا قَالُوا فِيمَا إذَا أَوْصَى لِمُبَعَّضٍ وَلَا مُهَايَأَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ أَنَّ الْمُوصَى بِهِ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ هُنَا بَيْنَهُمَا أَيْضًا فِي الْأُولَى، وَبَيْنَ السَّيِّدَيْنِ فِي الثَّانِيَةِ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْمُبَعَّضِ وَسَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ أَوْ بَيْنَ السَّيِّدَيْنِ وَأَوْصَى أَوْ وَهَبَ لَهُ فَلِصَاحِبِ النَّوْبَةِ يَوْمَ الْمَوْتِ فِي الْوَصِيَّةِ وَيَوْمَ الْقَبْضِ فِي الْهِبَةِ، وَلَوْ خَصَّصَ بِهَا نِصْفَهُ الْحُرَّ أَوْ الرَّقِيقَ أَوْ أَحَدَ السَّيِّدَيْنِ تُخَصَّصُ ‏(‏وَإِنْ عَتَقَ‏)‏ أَوْ بِيعَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَالْقَبُولِ فَالْمِلْكُ لِلْمُعْتِقِ أَوْ الْبَائِعِ وَإِنْ عَتَقَ أَوْ بِيعَ ‏(‏بَعْدَ مَوْتِهِ‏)‏ أَيْ الْمُوصِي ‏(‏ثُمَّ قَبِلَ‏)‏ الْوَصِيَّةَ ‏(‏بُنِيَ‏)‏ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ‏(‏عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِمَ تُمْلَكُ‏)‏ إنْ قُلْنَا بِالْمَوْتِ بِشَرْطِ الْقَبُولِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ، أَوْ بِالْمَوْتِ فَقَطْ فَهِيَ لِلْمُعْتِقِ أَوْ الْبَائِعِ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْقَبُولِ فَقَطْ فَلِلْعَتِيقِ فِي الْأُولَى وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّانِيَةِ، وَلَوْ عَتَقَ مَعَ الْمَوْتِ فَالْمِلْكُ لِلْعَتِيقِ لِأَنَّهُ حُرٌّ وَقْتَ الْمِلْكِ‏.‏ أَمَّا إذَا أَوْصَى لِعَبْدِ نَفْسِهِ، فَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِرَقَبَتِهِ صَحَّ، وَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ نَفَذَتْ الْوَصِيَّةُ فِي ثُلُثِ رَقَبَتِهِ لِأَنَّهُ مِنْ مَالِهِ وَعَتَقَ ذَلِكَ الثُّلُثُ وَبَاقِي الثُّلُثِ مِنْ سَائِرِ أَمْوَالِهِ وَصِيَّةٌ لِمَنْ بَعْضُهُ مِلْكٌ لِلْوَارِثِ وَبَعْضُهُ حُرٌّ، وَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِمَالٍ ثُمَّ أَعْتَقَهُ فَهُوَ لَهُ أَوْ بَاعَهُ فَلِلْمُشْتَرِي وَإِلَّا بِأَنْ مَاتَ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ فَوَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ، وَسَيَأْتِي حُكْمُهَا، وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ وَشَرَطَ تَقْدِيمَ عِتْقِهِ فَازَ مَعَ عِتْقِهِ بِبَاقِي الثُّلُثِ‏.‏ وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِأُمِّ وَلَدِهِ لِأَنَّهَا تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ وَمُكَاتَبِهِ لِأَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ بِالْمِلْكِ وَمُدَبَّرِهِ كَالْقِنِّ، فَإِنْ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ فَهِيَ لَهُ وَإِلَّا فَوَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ لَهُ وَقْتَ الْمِلْكِ أَوْ عَتَقَ الْمُدَبَّرُ، وَخَرَجَ عِتْقُهُ مَعَ وَصِيَّتِهِ مِنْ الثُّلُثِ اسْتَحَقَّهَا، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ إلَّا أَحَدُهُمَا قُدِّمَ الْعِتْقُ فَيَعْتِقُ كُلُّهُ، وَلَا شَيْءَ لَهُ بِالْوَصِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَفِ الثُّلُثُ بِالْمُدَبَّرِ عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ وَصَارَتْ الْوَصِيَّةُ لِمَنْ بَعْضُهُ لِلْوَارِثِ‏.‏

المتن‏:‏

وَإِنْ أَوْصَى لِدَابَّةٍ وَقَصَدَ تَمْلِيكَهَا أَوْ أَطْلَقَ فَبَاطِلَةٌ، وَإِنْ قَالَ لِيُصْرَفَ فِي عَلْفِهَا فَالْمَنْقُولُ صِحَّتُهَا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَإِنْ أَوْصَى لِدَابَّةٍ‏)‏ لِغَيْرِهِ ‏(‏وَقَصَدَ تَمْلِيكَهَا أَوْ أَطْلَقَ فَبَاطِلَةٌ‏)‏ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ جَزْمًا لِأَنَّ مُطْلَقَ اللَّفْظِ لِلتَّمْلِيكِ، وَالدَّابَّةُ لَا تَمْلِكُ، بِخِلَافِ الْإِطْلَاقِ لِلْعَبْدِ فَإِنَّهُ يَنْتَظِمُ مَعَهُ الْخِطَابُ وَيَأْتِي مَعَهُ الْقَبُولُ، وَرُبَّمَا عَتَقَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَيَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ بِخِلَافِ الدَّابَّةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَدْ جَزَمُوا هُنَا بِالْبُطْلَانِ وَذَكَرُوا فِي إطْلَاقِ الْوَقْفِ عَلَيْهَا وَجْهَيْنِ‏.‏ قَالَ الرَّافِعِيُّ‏:‏ فَيُشْبِهُ مَجِيئَهُمَا هُنَا، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ مَحْضٌ فَيَنْبَغِي إضَافَتُهُ إلَى مَنْ يَمْلِكُ بِخِلَافِ الْوَقْفِ‏.‏ قَالَ الْمُصَنِّفُ‏:‏ وَالْفَرْقُ أَصَحُّ‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَقِيَاسُ مَا مَرَّ فِي صِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى الْخَيْلِ الْمُسَبَّلَةِ صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ لَهَا أَيْ‏:‏ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ بَلْ أَوْلَى ‏(‏وَإِنْ قَالَ لِيُصْرَفَ فِي عَلْفِهَا‏)‏ بِسُكُونِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا بِخَطِّهِ‏.‏ الْأُولَى مَصْدَرٌ وَالثَّانِيَةُ لِلْمَأْكُولِ ‏(‏فَالْمَنْقُولُ‏)‏ وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالظَّاهِرِ الْمَنْقُولِ ‏(‏صِحَّتُهَا‏)‏ لِأَنَّ عَلْفَهَا عَلَى مَالِكِهَا فَهُوَ الْمَقْصُودُ بِهَا كَالْوَصِيَّةِ لِعِمَارَةِ دَارِهِ فَإِنَّهَا لَهُ؛ لِأَنَّ عِمَارَتَهَا عَلَيْهِ فَهُوَ الْمَقْصُودُ بِهَا‏.‏ هَذَا مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَالْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَمُقَابِلُ الْمَنْقُولِ احْتِمَالٌ لِلرَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ‏:‏ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْوَقْفِ وَجْهَانِ، فَيُشْبِهُ أَنَّ هَذَا مِثْلُهُ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ قَالَ‏:‏ فَالظَّاهِرُ الصِّحَّةُ‏.‏ قَالَ فِي الدَّقَائِقِ‏:‏ وَمُرَادُهُ بِالظَّاهِرِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ الْمَنْقُولُ لَا أَنَّهُ نَاقِلٌ الْخِلَافَ فِي صِحَّتِهَا‏.‏ ا هـ‏.‏

وَعَلَى الْمَنْقُولِ يُشْتَرَطُ قَبُولُ مَالِكِ الدَّابَّةِ وَالدَّارِ أَيْضًا كَسَائِرِ الْوَصَايَا‏.‏ ثُمَّ يَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ فِي الْأُولَى لِعَلْفِهَا، وَفِي الثَّانِيَةِ لِعِمَارَتِهَا كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا رِعَايَةً لِغَرَضِ الْمُوصِي، وَيَتَوَلَّى الْإِنْفَاقَ عَلَيْهَا الْوَصِيُّ أَوْ نَائِبُهُ مِنْ مَالِكٍ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ الْقَاضِي أَوْ نَائِبُهُ كَذَلِكَ، فَلَوْ بَاعَهَا مَالِكُهَا انْتَقَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْمُشْتَرِي‏.‏ قَالَ الْمُصَنِّفُ كَمَا فِي الْعَبْدِ، وَقَالَ الرَّافِعِيُّ‏:‏ هِيَ لِلْبَائِعِ‏.‏ قَالَ السُّبْكِيُّ‏:‏ وَهُوَ الْحَقُّ إنْ انْتَقَلَتْ بَعْدَ الْمَوْتِ وَإِلَّا فَالْحَقُّ أَنَّهُ لِلْمُشْتَرِي، وَهُوَ قِيَاسُ الْعَبْدِ فِي التَّقْدِيرَيْنِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ فُهِمَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَائِلٌ بِأَنَّهَا لِلْمُشْتَرِي مُطْلَقًا، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ قَوْلُهُ كَمَا فِي الْعَبْدِ يَقْتَضِي أَنَّهُ قَائِلٌ بِالتَّفْصِيلِ، وَعَلَيْهِ لَوْ قَبِلَ الْبَائِعُ ثُمَّ بَاعَ الدَّابَّةَ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ صَرْفُ ذَلِكَ لِعَلْفِهَا وَإِنْ صَارَتْ مِلْكَ غَيْرِهِ‏.‏

المتن‏:‏

وَتَصِحُّ لِعِمَارَةِ مَسْجِدٍ، وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ فِي الْأَصَحِّ، وَتُحْمَلُ عَلَى عِمَارَتِهِ وَمَصَالِحِهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَتَصِحُّ‏)‏ الْوَصِيَّةُ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ ‏(‏لِعِمَارَةِ‏)‏ أَوْ مَصَالِحِ ‏(‏مَسْجِدٍ‏)‏ إنْشَاءً وَتَرْمِيمًا؛ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ، وَفِي مَعْنَى الْمَسْجِدِ الْمَدْرَسَةُ وَالرِّبَاطُ الْمُسَبَّلُ وَالْخَانْقَاهْ وَقَيَّدَ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ الْمَسْجِدَ بِالْمَوْجُودِ، فَإِنْ أَوْصَى لِمَسْجِدٍ سَيُبْنَى لَمْ تَصِحَّ جَزْمًا وَهُوَ نَظِيرُ مَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِيمَا إذَا وَقَفَ عَلَى مَسْجِدٍ سَيُبْنَى ‏(‏وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ‏)‏ الْوَصِيَّةَ لِلْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ كَأَوْصَيْتُ لَهُ بِكَذَا يَصِحُّ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏.‏ وَتُحْمَلُ عَلَى عِمَارَتِهِ وَمَصَالِحِهِ‏)‏ لِأَنَّ الْعُرْفَ يَحْمِلُهُ عَلَى ذَلِكَ وَيَصْرِفُهُ قَيِّمُهُ فِي أَهَمِّهَا بِاجْتِهَادِهِ‏.‏ وَالثَّانِي يَبْطُلُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ كَالدَّابَّةِ، وَرَدَّهُ الْإِمَامُ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلدَّابَّةِ نَادِرٌ مُسْتَنْكَرٌ فِي الْعُرْفِ فَتَعَيَّنَ اعْتِبَارُ اللَّفْظِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَمَّا إذَا قَالَ‏:‏ أَرَدْتُ تَمْلِيكَ الْمَسْجِدِ، وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ وَلَك أَنْ تَقُولَ سَبَقَ أَنَّ لِلْمَسْجِدِ مِلْكًا وَعَلَيْهِ وَقْفًا، وَذَلِكَ يَقْتَضِي صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ‏.‏ قَالَ الْمُصَنِّفُ‏:‏ وَهُوَ الْأَفْقَهُ وَالْأَرْجَحُ‏.‏ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ‏:‏ فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي اللُّقَطَةِ مَا يُفْهِمُ جَوَازَ الْهِبَةِ لِلْمَسْجِدِ‏.‏ قَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ‏:‏ وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ وَالْكَعْبَةُ فِي ذَلِكَ كَالْمَسْجِدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَيَانِ نَقْلًا عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَيُصْرَفُ فِي عِمَارَتِهَا، وَقِيلَ إلَى سَاكِنِ مَكَّةَ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ إلْحَاقُ الْكِسْوَةِ بِالْعِمَارَةِ فَإِنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْمَصَالِحِ، وَكَذَا مَا أَوْصَى بِهِ لِلضَّرِيحِ النَّبَوِيِّ - عَلَى سَاكِنِهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ - يُحْمَلُ عَلَى مَا يَخْتَصُّ بِهِ دُونَ الْأَشْيَاءِ الْخَارِجَةِ عَنْهُ كَمَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ فِي حَرَمِهِ فَإِنَّهَا قَدْ تَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْحَرَمِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلِذِمِّيٍّ، وَكَذَا حَرْبِيٌّ وَمُرْتَدٌّ فِي الْأَصَحِّ، وَقَاتِلٌ فِي الْأَظْهَرِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَتَصِحُّ‏)‏ الْوَصِيَّةُ ‏(‏لِذِمِّيٍّ‏)‏ بِمَا يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ لَهُ كَمَا يَجُوزُ التَّصَدُّقُ عَلَيْهِ، فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ‏:‏ ‏{‏فِي كُلِّ كَبِدٍ حَرَّاءَ أَجْرٌ‏}‏ وَعَنْ الْبَيْهَقِيّ‏:‏ ‏"‏ أَنَّ صَفِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا أَوْصَتْ لِأَخِيهَا بِأَلْفِ دِينَارٍ وَكَانَ يَهُودِيًّا ‏"‏ أَمَّا مَا لَا يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ لَهُ كَالْمُصْحَفِ وَالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ بِهِ، وَفِي مَعْنَى الذِّمِّيِّ الْمُعَاهَدُ وَالْمُسْتَأْمَنُ كَمَا قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ ‏(‏وَكَذَا حَرْبِيٌّ‏)‏ مُعَيَّنٌ سَوَاءٌ أَكَانَ بِدَارِنَا أَمْ لَا بِمَا لَهُ تَمَلُّكُهُ لَا كَسَيْفٍ وَرُمْحٍ ‏(‏وَ‏)‏ كَذَا ‏(‏مُرْتَدٌّ‏)‏ مُعَيَّنٌ لَمْ يَمُتْ مُرْتَدًّا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ الْمَنْعُ لِلْأَمْرِ بِقَتْلِهِمَا فَلَا مَعْنَى لِلْوَصِيَّةِ لَهُمَا كَالْوَقْفِ عَلَيْهِمَا، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْوَقْفَ يُرَادُ لِلدَّوَامِ وَهُمَا مَقْتُولَانِ بِكُفْرِهِمَا بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ، فَإِنْ مَاتَ مُرْتَدًّا تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَسْأَلَةُ الْمُرْتَدِّ مَزِيدَةٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَامْتَنَعَ مِنَّا لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ قَطْعًا، وَهُوَ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مُتَّجَهٌ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْوَصِيَّةِ لِلذِّمِّيِّ التَّعْيِينُ بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ فَتَصِحُّ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ دُونَ أَهْلِ الْحَرْبِ وَالرِّدَّةِ فَلَا تَصِحُّ لَهُمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ سُرَاقَةَ، وَلَوْ أَوْصَى لِمَنْ يَرْتَدُّ بَطَلَتْ أَوْ لِمُسْلِمٍ فَارْتَدَّ لَمْ تَبْطُلْ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَقِيَاسُهُ الْبُطْلَانُ فِيمَنْ لَوْ أَوْصَى لِمَنْ يُحَارَبُ ‏(‏وَ‏)‏ كَذَا ‏(‏قَاتِلٌ‏)‏ وَلَوْ تَعَدِّيًا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ بِعَقْدٍ فَأَشْبَهَتْ الْهِبَةَ وَخَالَفَتْ الْإِرْثَ، وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِأَنَّهُ مَالٌ يُسْتَحَقُّ بِالْمَوْتِ فَأَشْبَهَ الْإِرْثَ، وَصُورَتُهُ أَنْ يُوصِيَ لِجَارِحِهِ ثُمَّ يَمُوتَ أَوْ لِإِنْسَانٍ فَيَقْتُلَهُ، وَمِنْ ذَلِكَ قَتْلُ سَيِّدِ الْمُوصَى لَهُ الْمُوصِيَ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِعَبْدٍ وَصِيَّةٌ لِسَيِّدِهِ كَمَا مَرَّ، فَلَوْ أَوْصَى لِمَنْ يَقْتُلُهُ أَوْ يَقْتُلُ غَيْرَهُ تَعَدِّيًا فَبَاطِلَةٌ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ فِي الْأُولَى وَمِثْلُهَا الثَّانِيَةُ أَوْ بِحَقٍّ فَيَظْهَرُ فِيهَا الصِّحَّةُ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي الثَّانِيَةِ وَمِثْلُهَا الْأُولَى‏.‏

المتن‏:‏

وَلِوَارِثٍ فِي الْأَظْهَرِ، إنْ أَجَازَ بَاقِي الْوَرَثَةِ وَلَا عِبْرَةَ بِرَدِّهِمْ وَإِجَازَتِهِمْ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي، وَالْعِبْرَةُ فِي كَوْنِهِ وَارِثًا بِيَوْمِ الْمَوْتِ، وَالْوَصِيَّةُ لِكُلِّ وَارِثٍ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ لَغْوٌ وَبِعَيْنٍ هِيَ قَدْرُ حِصَّتِهِ صَحِيحَةٌ، وَتَفْتَقِرُ إلَى الْإِجَازَةِ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَ‏)‏ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ ‏(‏لِوَارِثٍ‏)‏ خَاصٍّ غَيْرِ حَائِزٍ بِغَيْرِ قَدْرِ إرْثِهِ ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ إنْ أَجَازَ بَاقِي الْوَرَثَةِ‏)‏ الْمُطْلَقِينَ التَّصَرُّفُ وَقُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّ إجَازَتَهُمْ تَنْفِيذٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ تُجِيزَ الْوَرَثَةُ‏}‏ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ‏.‏ قَالَ الذَّهَبِيُّ‏:‏ صَالِحٌ وَقِيَاسًا عَلَى الْوَصِيَّةِ لِأَجْنَبِيٍّ بِالزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي بَاطِلَةٌ وَإِنْ أَجَازُوهَا لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ‏}‏ رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَخَرَجَ بِخَاصٍّ الْوَارِثُ الْعَامُّ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِإِنْسَانٍ بِشَيْءٍ ثُمَّ انْتَقَلَ إرْثُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُصْرَفُ إلَيْهِ، وَالْوَصِيَّةُ صَحِيحَةٌ وَلَا تَحْتَاجُ إلَى إجَازَةِ الْإِمَامِ قَطْعًا، وَبِغَيْرِ حَائِزٍ مَا لَوْ أَوْصَى لِحَائِزٍ بِمَالِهِ كُلِّهِ فَإِنَّهَا بَاطِلَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ فِي التَّتِمَّةِ، وَبِغَيْرِ قَدْرِ إرْثِهِ مَا لَوْ أَوْصَى لِوَارِثٍ بِقَدْرِ إرْثِهِ، فَإِنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا يَأْتِي بَيْنَ الْمُشَاعِ، وَالْمُعَيَّنِ، وَبِالْمُطْلَقِينَ التَّصَرُّفُ مَا لَوْ كَانَ فِيهِمْ صَغِيرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ فَلَا تَصِحُّ مِنْهُ الْإِجَازَةُ وَلَا مِنْ وَلِيِّهِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ‏:‏ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ أَجَازَ مَا لَمْ تُقْبَضْ الْوَصِيَّةُ فَإِنْ قُبِضَتْ صَارَ ضَامِنًا مَا أَجَازَهُ مِنْ الزِّيَادَةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

فِي مَعْنَى الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ الْوَقْفُ عَلَيْهِ وَإِبْرَاؤُهُ مِنْ دَيْنٍ عَلَيْهِ أَوْ هِبَتُهُ شَيْئًا، فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ، نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْ الْوَقْفِ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ مَا لَوْ وَقَفَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ عَلَى قَدْرِ نَصِيبِهِمْ كَمَنْ لَهُ ابْنٌ وَبِنْتٌ وَلَهُ دَارٌ تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ فَوَقَفَ ثُلُثَيْهِمَا عَلَى الِابْنِ وَثُلُثَهَا عَلَى الْبِنْتِ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إجَازَةٍ فِي الْأَصَحِّ، فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ إبْطَالُهُ وَلَا إبْطَالُ شَيْءٍ مِنْهُ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ فِي ثُلُثِ مَالِهِ نَافِذٌ فَإِذَا تَمَكَّنَ مِنْ قَطْعِ حَقِّ الْوَارِثِ عَنْ الثُّلُثِ بِالْكُلِّيَّةِ فَتَمَكُّنُهُ مِنْ وَقْفِهِ عَلَيْهِ أَوْلَى‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

مِنْ الْحِيَلِ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ أَنْ يَقُولَ‏:‏ أَوْصَيْت لِزَيْدٍ بِأَلْفٍ إنْ تَبَرَّعَ لِوَلَدِي بِخَمْسِمِائَةٍ مَثَلًا، فَإِنْ قَبِلَ لَزِمَهُ دَفْعُهَا إلَيْهِ ‏(‏وَ‏)‏ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ ‏(‏لَا عِبْرَةَ بِرَدِّهِمْ وَإِجَازَتِهِمْ‏)‏ الْوَصِيَّةَ ‏(‏فِي حَيَاةِ الْمُوصِي‏)‏ فَلِمَنْ رَدَّ الْوَصِيَّةَ فِي حَيَاتِهِ الْإِجَازَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَعَكْسُهُ إذْ لَا اسْتِحْقَاقَ لَهُمْ وَلَا لِلْمُوصَى لَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ وَقَدْ يَبْرَأُ وَقَدْ يَمُوتُ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَهُ وَلَا أَثَرَ لِلْإِجَازَةِ أَيْضًا بَعْدَ الْمَوْتِ مَعَ جَهْلِ قَدْرِ الْمَالِ الْمُوصَى بِهِ كَالْإِبْرَاءِ عَنْ مَجْهُولٍ نَعَمْ إنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِمُعَيَّنٍ كَعَبْدٍ وَقَالُوا بَعْدَ إجَازَتِهِمْ‏:‏ ظَنَنَّا كَثْرَةَ الْمَالِ وَأَنَّ الْعَبْدَ خَارِجٌ مِنْ ثُلُثِهِ فَبَانَ قَلِيلًا، أَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ، أَوْ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ صَحَّتْ إجَازَتُهُمْ فِيهِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَعْلُومٌ وَالْجَهَالَةَ فِي غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِغَيْرِ مُعَيَّنٍ وَادَّعَى الْمُجِيزُ الْجَهْلَ بِقَدْرِ التَّرِكَةِ كَأَنْ قَالَ‏:‏ كُنْتُ اعْتَقَدْتُ قِلَّةَ الْمَالِ وَقَدْ بَانَ خِلَافُهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ فِي دَعْوَى الْجَهْلِ إنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِعِلْمِهِ بِقَدْرِ الْمَالِ عِنْدَ الْإِجَازَةِ وَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِيمَا ظَنَّهُ، فَإِنْ أُقِيمَتْ لَمْ يُصَدَّقْ وَنَفَذَتْ الْوَصِيَّةُ فِي الْجَمِيعِ ‏(‏وَالْعِبْرَةُ فِي كَوْنِهِ‏)‏ أَيْ الْمُوصَى لَهُ ‏(‏وَارِثًا‏)‏ أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ ‏(‏بِيَوْمِ‏)‏ أَيْ وَقْتِ ‏(‏الْمَوْتِ‏)‏ فَلَوْ أَوْصَى لِأَخِيهِ فَحَدَثَ لَهُ ابْنٌ قَبْلَ مَوْتِهِ صَحَّتْ، أَوْ أَوْصَى لِأَخِيهِ وَلَهُ ابْنٌ فَمَاتَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَهِيَ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ ‏(‏وَالْوَصِيَّةُ لِكُلِّ وَارِثٍ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ‏)‏ شَائِعًا مِنْ نِصْفٍ أَوْ غَيْرِهِ كَأَنْ أَوْصَى لِكُلٍّ مِنْ بَنِيهِ الثَّلَاثَةِ بِثُلُثِ مَالِهِ ‏(‏لَغْوٌ‏)‏ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِغَيْرِ وَصِيَّةٍ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ لِكُلِّ وَارِثٍ مَا لَوْ أَوْصَى لِبَعْضِهِمْ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ كَأَنْ أَوْصَى لِأَحَدِ بَنِيهِ الثَّلَاثَةِ بِثُلُثِ مَالِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ، فَإِنْ أُجِيزَ أَخَذَهُ وَقُسِمَ الْبَاقِي بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ ‏(‏وَ‏)‏ الْوَصِيَّةُ لِكُلِّ وَارِثٍ ‏(‏بِعَيْنٍ هِيَ قَدْرُ حِصَّتِهِ‏)‏ كَأَنْ أَوْصَى لِأَحَدِ ابْنَيْهِ بِعَبْدٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ وَلِلْآخَرِ بِدَارٍ قِيمَتُهَا أَلْفٌ وَهُمَا مَا يَمْلِكُهُ ‏(‏صَحِيحَةٌ‏)‏ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِبَيْعِ عَيْنٍ مِنْ مَالِهِ لِزَيْدٍ ‏(‏وَ‏)‏ لَكِنْ ‏(‏تَفْتَقِرُ إلَى الْإِجَازَةِ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِالْأَعْيَانِ وَمَنَافِعِهَا‏.‏ وَالثَّانِي لَا يَفْتَقِرُ إلَيْهَا لِأَنَّ حُقُوقَهُمْ فِي قِيمَةِ التَّرِكَةِ لَا فِي عَيْنِهَا، إذْ لَوْ بَاعَهَا الْمَرِيضُ بِثَمَنِ مِثْلِهَا صَحَّ وَإِنْ لَمْ يَرْضَوْا بِذَلِكَ، وَالدَّيْنُ كَالْعَيْنِ فِيمَا ذُكِرَ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ‏.‏

المتن‏:‏

وَتَصِحُّ بِالْحَمْلِ، وَيُشْتَرَطُ انْفِصَالُهُ حَيًّا لِوَقْتٍ يُعْلَمُ وُجُودُهُ عِنْدَهَا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْمُوصَى بِهِ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مَقْصُودًا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَيَقْبَلُ النَّقْلَ فَلَا تَصِحُّ بِمَا لَا يُقْصَدُ كَدَمٍ، وَلَا بِمَا لَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَمِزْمَارٍ، وَلَا بِمَا لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ كَقِصَاصٍ، وَحَقِّ الشُّفْعَةِ - إذَا لَمْ يَبْطُلْ بِالتَّأْخِيرِ لِعُذْرٍ كَتَأْجِيلِ الثَّمَنِ - وَحَدِّ قَذْفٍ وَإِنْ قَبِلَتْ الِانْتِقَالَ بِالْإِرْثِ لِأَنَّهَا لَا تَقْبَلُ النَّقْلَ‏.‏ نَعَمْ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِالْقِصَاصِ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَالْعَفْوِ عَنْهُ فِي الْمَرَضِ كَمَا حَكَاهُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ، وَمِثْلُهُ حَدُّ الْقَذْفِ وَحَقُّ الشُّفْعَةِ فَقَالَ ‏(‏وَتَصِحُّ‏)‏ الْوَصِيَّةُ ‏(‏بِ‏)‏ الْمَجْهُولِ كَ ‏(‏الْحَمْلِ‏)‏ الْمَوْجُودِ فِي الْبَطْنِ مُنْفَرِدًا عَنْ أُمِّهِ أَوْ مَعَهَا وَعَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ وَبِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ كَالطَّيْرِ الطَّائِرِ وَالْعَبْدِ الْآبِقِ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ يَخْلُفُ الْمَيِّتَ فِي ثُلُثِهِ كَمَا يَخْلُفُهُ الْوَارِثُ فِي ثُلُثَيْهِ، فَلَمَّا جَازَ أَنْ يَخْلُفَ الْوَارِثُ الْمَيِّتَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ جَازَ أَنْ يَخْلُفَهُ الْمُوصَى لَهُ‏.‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ بِاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَالصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ، وَقَالَ‏:‏ يُجَزُّ الصُّوفُ عَلَى الْعَادَةِ، وَمَا كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الْوَصِيَّةِ لِلْمُوصَى لَهُ، وَمَا حَدَثَ لِلْوَارِثِ، فَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَارِثِ بِيَمِينِهِ ‏(‏وَيُشْتَرَطُ‏)‏ فِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ بِالْحَمْلِ ‏(‏انْفِصَالُهُ حَيًّا لِوَقْتٍ يُعْلَمُ وُجُودُهُ عِنْدَهَا‏)‏ أَيْ الْوَصِيَّةِ كَمَا سَبَقَ فِي الْوَصِيَّةِ لَهُ وَيُرْجَعُ فِي حَمْلِ الْبَهِيمَةِ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ‏.‏ أَمَّا إذَا انْفَصَلَ مَيِّتًا فَإِنْ كَانَ حَمْلُ أَمَةٍ وَانْفَصَلَ بِجِنَايَةٍ مَضْمُونَةٍ لَمْ تَبْطُلْ الْوَصِيَّةُ وَتَنْفُذُ مِنْ الضَّمَانِ لِأَنَّهُ انْفَصَلَ مُتَقَوِّمًا فَتَنْفُذُ فِي بَدَلِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى بِحَمْلٍ فَانْفَصَلَ مَيِّتًا بِجِنَايَةٍ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْمِلْكِ، وَإِنْ كَانَ حَمْلَ بَهِيمَةٍ فَانْفَصَلَ بِجِنَايَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا أَوْ حَمْلَ أَمَةٍ وَانْفَصَلَ بِلَا جِنَايَةٍ مَضْمُونَةٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْمُوصَى لَهُ شَيْئًا، وَإِنَّمَا اسْتَحَقَّ فِي حَمْلِ الْأَمَةِ دُونَ الْبَهِيمَةِ فِيمَا إذَا انْفَصَلَا بِجِنَايَةٍ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ بَدَلُهُ فَيَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ، وَمَا وَجَبَ فِي جَنِينِ الْبَهِيمَةِ بَدَلُ مَا نَقَصَ مِنْهَا فَيَكُونُ لِلْوَارِثِ، وَإِذَا كَانَ فِي الْمَفْهُومِ تَفْصِيلٌ لَمْ يَرِدْ، وَيَصِحُّ الْقَبُولُ هُنَا وَفِيمَا مَرَّ قَبْلَ الْوَضْعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ يُعْلَمُ وَهُوَ الرَّاجِحُ‏.‏ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ‏:‏ وَلَوْ قَالَ إنْ وَلَدَتْ أَمَتِي ذَكَرًا فَهُوَ وَصِيَّةٌ لِزَيْدٍ، أَوْ أُنْثَى فَوَصِيَّةٌ لِعَمْرٍو جَازَ وَكَانَ عَلَى مَا قَالَ سَوَاءٌ وَلَدَتْهُمَا مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا، وَإِنْ وَلَدَتْ خُنْثَى، فَقِيلَ لَا حَقَّ فِيهِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَقِيلَ‏:‏ إنَّهُ مَوْقُوفٌ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَصْطَلِحَا أَيْ‏:‏ وَهَذَا أَوْجَهُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ‏.‏

المتن‏:‏

وَبِالْمَنَافِعِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَ‏)‏ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ ‏(‏بِالْمَنَافِعِ‏)‏ الْمُبَاحَةِ وَحْدَهَا مُؤَقَّتَةً وَمُؤَبَّدَةً وَمُطْلَقَةً، وَالْإِطْلَاقُ يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ؛ لِأَنَّهَا أَمْوَالٌ مُتَقَابِلَةٌ بِالْأَعْوَاضِ كَالْأَعْيَانِ، وَتَصِحُّ بِالْعَيْنِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ، وَبِالْعَيْنِ لِوَاحِدٍ وَالْمَنْفَعَةِ لِآخَرَ، وَإِنَّمَا صَحَّتْ فِي الْعَيْنِ وَحْدَهَا لِشَخْصٍ مَعَ عَدَمِ الْمَنْفَعَةِ فِيهَا لِإِمْكَانِ صَيْرُورَةِ الْمَنْفَعَةِ لَهُ بِإِجَارَةٍ أَوْ إبَاحَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ مَنْفَعَةِ الْعَيْنِ إلَّا فِي الْوَصِيَّةِ، وَلَوْ قَبِلَ الْمُوصَى لَهُ بِالْعَيْنِ وَرَدَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ عَادَتْ إلَى الْوَرَثَةِ لَا إلَى الْمُوصَى لَهُ بِالْعَيْنِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الشَّيْخَانِ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ‏.‏

المتن‏:‏

وَكَذَا بِثَمَرَةٍ أَوْ حَمْلٍ سَيَحْدُثَانِ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَكَذَا‏)‏ تَصِحُّ ‏(‏بِثَمَرَةٍ أَوْ حَمْلٍ سَيَحْدُثَانِ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ اُحْتُمِلَ فِيهَا وُجُوهٌ مِنْ الْغَرَرِ رِفْقًا بِالنَّاسِ وَتَوْسِعَةً فَتَصِحُّ بِالْمَعْدُومِ كَمَا تَصِحُّ بِالْمَجْهُولِ؛ وَلِأَنَّ الْمَعْدُومَ يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ بِعَقْدِ السَّلَمِ، وَالْمُسَاقَاةِ وَالْإِجَارَةِ فَكَذَا بِالْوَصِيَّةِ‏.‏

وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ يَسْتَدْعِي مُتَصَرَّفًا فِيهِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إذَا أَوْصَى بِمَا يَحْدُثُ هَذَا الْعَامَ أَوْ كُلَّ عَامٍ عُمِلَ بِهِ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَقَالَ‏:‏ أَوْصَيْت بِمَا يَحْدُثُ فَهَلْ يَعُمُّ كُلَّ سَنَةٍ أَوْ يَخْتَصُّ بِالسَّنَةِ الْأُولَى‏.‏ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ‏:‏ الظَّاهِرُ الْعُمُومُ، وَسَكَتَ عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِذَا قُلْنَا بِالصِّحَّةِ فِي الْحَمْلِ فَوَلَدَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَكُنْ مُوصًى بِهِ، لِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا وَإِنَّمَا أَوْصَى بِمَا سَيَحْدُثُ أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ كَانَ مُوصًى بِهِ أَوْ بَيْنَهُمَا وَهِيَ ذَاتُ زَوْجٍ صَحَّتْ وَإِلَّا فَلَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ

تَنْبِيهٌ‏:‏

تَثْنِيَةُ الضَّمِيرِ بَعْدَ الْعَطْفِ بِأَوْ مَذْهَبٌ كُوفِيٌّ‏.‏ أَمَّا الْبَصْرِيُّ فَيُفْرِدُهُ فَكَانَ الْأَحْسَنُ لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ سَيَحْدُثُ‏.‏

المتن‏:‏

وَبِأَحَدِ عَبْدَيْهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَ‏)‏ تَصِحُّ ‏(‏بِ‏)‏ الْمُبْهَمِ كَ ‏(‏أَحَدِ عَبْدَيْهِ‏)‏ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَحْتَمِلُ الْجَهَالَةَ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهَا الْإِبْهَامُ وَتَعَيُّنُ الْوَارِثِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ لِمَ صَحَّتْ هُنَا وَلَمْ تَصِحَّ فِي أَوْصَيْتُ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ كَمَا مَرَّ‏؟‏‏.‏ ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ فِي الْمُوصَى بِهِ مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي الْمُوصَى لَهُ، وَلِهَذَا صَحَّتْ بِحَمْلٍ سَيَحْدُثُ لَا لِحَمْلٍ سَيَحْدُثُ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَوْصَيْت لِفُلَانٍ وَهُنَاكَ مَنْ يُشَارِكُهُ فِي الِاسْمِ الْتَحَقَ بِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ‏.‏ قَالَ الْقَاضِي‏:‏ وَلَوْ أَوْصَى بِأَحَدِ شَيْئَيْنِ يَمْلِكُ أَحَدَهُمَا انْصَرَفَ إلَيْهِ‏.‏

المتن‏:‏

‏(‏وَ‏)‏‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَ‏)‏ تَصِحُّ بِنُجُومِ الْكِتَابَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُسْتَقِرَّةً وَبِالْمُكَاتَبِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ إنْ عَجَّزَ نَفْسَهُ وَبِعَبْدِ غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ إنْ مَلَكْتُهُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ‏.‏

المتن‏:‏

بِنَجَاسَةٍ يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهَا كَكَلْبٍ مُعَلَّمٍ وَزِبْلٍ وَخَمْرٍ مُحْتَرِمَةٍ، وَلَوْ أَوْصَى بِكَلْبٍ مِنْ كِلَابِهِ أَعْطَى أَحَدَهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَلْبٌ لَغَتْ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

وَ ‏(‏بِنَجَاسَةٍ يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهَا كَكَلْبٍ مُعَلَّمٍ‏)‏ لِثُبُوتِ الِاخْتِصَاصِ فِيهَا وَانْتِقَالِهَا بِالْإِرْثِ وَنَحْوِهِ، وَمِثْلُ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ الْكَلْبُ الْقَابِلُ لِلتَّعْلِيمِ وَلَوْ جَرْوًا، وَالْفَهْدُ وَنَحْوُهُ، وَالْكَلْبُ الْمُتَّخَذُ لِحِرَاسَةِ الدُّورِ وَنَحْوِهَا لِجَوَازِ اقْتِنَاءِ ذَلِكَ، وَخَرَجَ مَا لَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَخِنْزِيرٍ وَكَلْبٍ عَقُورٍ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

إنْ كَانَ الْمُوصَى لَهُ بِالْكَلْبِ الْمُنْتَفَعِ بِهِ فِي صَيْدٍ أَوْ حِرَاسَةِ زَرْعٍ أَوْ نَعَمٍ صَاحِبَ صَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ نَعَمٍ فَظَاهِرٌ، وَإِلَّا فَقَضِيَّةُ مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ مِنْ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ اقْتِنَاؤُهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَهُوَ الْأَقْرَبُ وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ هُنَا الصِّحَّةُ وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخِي الْأَقْرَبُ وَيَنْقُلُهُ إلَى مَا يُنْتَفَعُ بِهِ ‏(‏وَ‏)‏ تَصِحُّ بِنَحْوِ ‏(‏زِبْلٍ‏)‏ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ كَسَمَادٍ وَجِلْدِ مَيْتَةٍ قَابِلٍ لِلدِّبَاغِ وَزَيْتٍ نَجِسٍ وَمَيْتَةٍ لِطَعْمِ الْجَوَارِحِ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ زِبْلِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ يَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ زِبْلِ الْأَوَّلَيْنِ‏.‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ وَيُكْرَهُ اقْتِنَاءُ السِّرْجِينِ لِرُتْبِيَّةِ الزَّرْعِ ‏(‏وَ‏)‏ تَصِحُّ بِنَحْوِ ‏(‏خَمْرٍ مُحْتَرَمَةٍ‏)‏ كَنَبِيذٍ وَهِيَ مَا عُصِرَتْ بِقَصْدِ الْخَلِّيَّةِ أَوْ لَا بِقَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ عَلَى الْخِلَافِ فِي تَفْسِيرِهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسْتَحْكِمَةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْمُسْتَحْكِمَةِ بِالْبُطْلَانِ‏.‏ أَمَّا غَيْرُ الْمُحْتَرَمَةِ فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهَا لِوُجُوبِ إرَاقَتِهَا ‏(‏وَلَوْ أَوْصَى بِكَلْبٍ مِنْ كِلَابِهِ‏)‏ الَّتِي يَحِلُّ أَنْ يُنْتَفَعَ بِهَا أَوْ مِنْ مَالِهِ وَلَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ كِلَابٌ يَحِلُّ أَنْ يُنْتَفَعَ بِهَا ‏(‏أُعْطِيَ‏)‏ الْمُوصَى لَهُ ‏(‏أَحَدَهَا‏)‏ وَالْخِيرَةُ لِلْوَارِثِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْكَلْبُ مَالًا فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الْمُنْتَفَعَ بِهِ مِنْ الْكِلَابِ مُقْتَنًى وَتَعْتَوِرُهُ الْأَيْدِي كَالْأَمْوَالِ، فَقَدْ يُسْتَعَارُ لَهُ اسْمُ الْمَالِ، وَلَا يَلْزَمُ الْوَارِثَ أَنْ يُعْطِيَ الْمُوصَى لَهُ مِنْ الْكِلَابِ مَا يُنَاسِبُهُ وَإِنْ جَزَمَ الدَّارِمِيُّ بِأَنَّهُ يُعْطِيهِ مَا يَلِيقُ بِهِ ‏(‏فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَلْبٌ‏)‏ يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ ‏(‏لَغَتْ‏)‏ وَصِيَّتُهُ لِتَعَذُّرِ شِرَاءِ كَلْبٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا يَلْزَمُ الْوَارِثَ اتِّهَابُهُ‏.‏ قَالَ الرَّافِعِيُّ‏:‏ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ‏:‏ لَوْ تَبَرَّعَ بِهِ مُتَبَرِّعٌ وَأَرَادَ تَنْفِيذَ الْوَصِيَّةِ جَازَ كَمَا لَوْ تَبَرَّعَ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ‏.‏ انْتَهَى وَلِبُعْدِ هَذَا لَمْ يَنْظُرُوا إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ كَلْبٌ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ وَفُقِدَ ثُمَّ تَجَدَّدَ لَهُ كَلْبٌ فَعَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْعِبْرَةَ بِوَقْتِ الْوَصِيَّةِ أَوْ الْمَوْتِ وَالْأَقْرَبُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الصِّحَّةُ نَظَرًا إلَى حَالَةِ الْمَوْتِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَكِلَابٌ وَوَصَّى بِهَا أَوْ بِبَعْضِهَا فَالْأَصَحُّ نُفُوذُهَا، وَإِنْ كَثُرَتْ وَقَلَّ الْمَالُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَكِلَابٌ وَوَصَّى بِهَا‏)‏ كُلِّهَا ‏(‏أَوْ بِبَعْضِهَا فَالْأَصَحُّ نُفُوذُهَا‏)‏ أَيْ الْوَصِيَّةِ ‏(‏وَإِنْ كَثُرَتْ‏)‏ تِلْكَ الْكِلَابُ ‏(‏وَقَلَّ الْمَالُ‏)‏ وَلَوْ دَانِقًا إذْ الْمُعْتَبَرُ أَنْ يَبْقَى لِلْوَرَثَةِ ضِعْفُ الْمُوصَى بِهِ وَقَلِيلٌ مِنْ الْمَالِ خَيْرٌ مِنْ الْكِلَابِ إذْ لَا قِيمَةَ لَهَا‏.‏ وَالثَّانِي يُقَدَّرُ أَنْ لَا مَالَ لَهُ وَتَنْفُذُ فِي ثُلُثِ الْكِلَابِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَلَهُ كِلَابٌ وَأَوْصَى بِهَا كُلِّهَا نَفَذَ فِي ثُلُثِهَا فَقَطْ عَدَدًا لَا قِيمَةً، إذْ لَا قِيمَةَ لَهَا أَوْ كَلْبٌ فَقَطْ وَأَوْصَى بِهِ نَفَذَ فِي ثُلُثِهِ، وَلَوْ أَوْصَى بِكَلْبَيْنِ مِنْ أَرْبَعَةٍ نَفَذَ فِي وَاحِدٍ وَثُلُثٍ، وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِزَيْدٍ وَبِالْكِلَابِ لِعَمْرٍو لَمْ يُعْطَ عَمْرٌو إلَّا ثُلُثَهَا لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْوَرَثَةُ مِنْ الثُّلُثَيْنِ هُوَ حَظُّهُمْ بِسَبَبِ الثُّلُثِ الَّذِي نَفَذَتْ فِيهِ الْوَصِيَّةُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْسَبَ عَلَيْهِمْ مِنْ أُخْرَى فِي وَصِيَّةِ غَيْرِ الْمُتَمَوَّلِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

غَيْرُ الْكِلَابِ مِنْ النَّجَاسَةِ الَّتِي يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهَا كَالْكِلَابِ فِي نُفُوذِ الْوَصِيَّةِ وَإِنْ كَثُرَ وَقَلَّ الْمَالُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي‏.‏ وَلَوْ كَانَ لَهُ أَجْنَاسٌ مِنْ كِلَابٍ وَخَمْرٍ مُحْتَرَمَةٍ وَشَحْمِ مَيْتَةٍ وَوَصَّى بِوَاحِدٍ مِنْهَا اُعْتُبِرَ الثُّلُثُ بِفَرْضِ الْقِيمَةِ لَا بِالْعَدَدِ وَلَا بِالْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَنَاسُبَ بَيْنَ الرُّءُوسِ وَلَا الْمَنْفَعَةِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ أَوْصَى بِطَبْلٍ وَلَهُ طَبْلُ لَهْوٍ وَطَبْلٌ يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَطَبْلِ حَرْبٍ وَحَجِيجٍ حُمِلَتْ عَلَى الثَّانِي، وَلَوْ أَوْصَى بِطَبْلِ اللَّهْوِ لَغَتْ إلَّا إنْ صَلَحَ لِحَرْبٍ أَوْ حَجِيجٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ أَوْصَى بِطَبْلٍ وَلَهُ طَبْلُ لَهْوٍ‏)‏ كَالْكُوبَةِ ضَيِّقِ الْوَسَطِ وَاسِعِ الطَّرَفَيْنِ ‏(‏وَطَبْلٌ يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَطَبْلِ حَرْبٍ‏)‏ وَهُوَ مَا يُضْرَبُ بِهِ لِلتَّهْوِيلِ ‏(‏وَ‏)‏ طَبْلُ ‏(‏حَجِيجٍ‏)‏ وَهُوَ مَا يُضْرَبُ لِلْإِعْلَامِ بِنُزُولٍ وَارْتِحَالٍ، وَطَبْلُ بَازٍ ‏(‏حُمِلَتْ‏)‏ أَيْ الْوَصِيَّةُ ‏(‏عَلَى‏)‏ الطَّبْلِ ‏(‏الثَّانِي‏)‏ لِيَصِحَّ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَقْصِدُ الثَّوَابَ، وَهُوَ فِيمَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ لَوْ أَوْصَى بِعُودٍ وَبِهِ عُودُ لَهْوٍ لَا يَصْلُحُ لِمُبَاحٍ وَعُودٌ مُبَاحٌ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ تَبْطُلُ وَلَمْ تُحْمَلْ عَلَى الْمُبَاحِ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ مُطْلَقَ الْعُودِ يَنْصَرِفُ فِي الِاسْتِعْمَالِ لِعُودِ اللَّهْوِ، وَالطَّبْلُ يَقَعُ عَلَى الْجَمِيعِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا طُبُولٌ لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهَا لَغَتْ ‏(‏وَلَوْ أَوْصَى بِطَبْلِ اللَّهْوِ لَغَتْ‏)‏ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ ‏(‏إلَّا إنْ صَلَحَ لِحَرْبٍ أَوْ حَجِيجٍ‏)‏ وَنَحْوِهَا كَطَبْلِ الْبَازِي، أَوْ مَنْفَعَةٍ أُخْرَى مُبَاحَةٍ لِإِمْكَانِ تَصْحِيحِ الْوَصِيَّةِ فِيمَا يَتَنَاوَلُهُ لَفْظُهَا، وَسَوَاءٌ أَصَلَحَ عَلَى هَيْئَتِهِ أَمْ بَعْدَ تَغَيُّرٍ يَبْقَى مَعَهُ اسْمُ الطَّبْلِ، فَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ إلَّا بِزَوَالِ اسْمِ الطَّبْلِ لَغَتْ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَا ذَكَرَهُ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ مَحَلُّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَإِنْ قَالَ الْمُوصِي‏:‏ أَرَدْتُ بِهِ الِانْتِفَاعَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي عُمِلَ لَهُ لَمْ يَصِحَّ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْوَافِي، وَاسْتَظْهَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ‏.‏ وَلَوْ أَوْصَى بِقَوْسٍ حُمِلَ عَلَى الْقَوْسِ الَّذِي لِرَمْيِ الْأَسْهُمِ مِنْ نَبْلٍ - وَهِيَ السِّهَامُ الصِّغَارُ - وَنُشَّابٍ، وَهِيَ السِّهَامُ الْفَارِسِيَّةُ وَحُسْبَانٍ وَهِيَ سِهَامٌ صِغَارٌ تُرْمَى بِمَجْرًى فِي الْقَوْسِ دُونَ قَوْسِ الْبُنْدُقِ وَالنَّدْفِ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ مِنْ قِسِيٍّ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ قَوْسُ سِهَامٍ بَلْ قَوْسُ بُنْدُقٍ أَوْ نَدْفٍ حُمِلَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَا لَهُ حُمِلَ عَلَى قَوْسِ الْبُنْدُقِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْفَهْمِ، فَإِنْ عَيَّنَ قَوْسًا تَعَيَّنَ، وَلَوْ قَالَ أَعْطُوهُ مَا يُسَمَّى قَوْسًا تَخَيَّرَ الْوَارِثُ بَيْنَ الْجَمِيعِ كَمَا صَوَّبَهُ الْمُصَنِّفُ، وَلَا يَتَنَاوَلُ الْقَوْسُ الْوَتَرَ؛ لِأَنَّهَا تُسَمَّى قَوْسًا بِدُونِهِ، بِخِلَافِ السَّهْمِ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الرِّيشَ وَالنَّصْلَ لِثُبُوتِهِمَا فِيهِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏فِي الْوَصِيَّةِ بِزَائِدٍ عَلَى الثُّلُثِ‏]‏

المتن‏:‏

يَنْبَغِي أَنْ لَا يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، فَإِنْ زَادَ وَرَدَّ الْوَارِثُ بَطَلَتْ فِي الزَّائِدِ، وَإِنْ أَجَازَ فَإِجَازَتُهُ تَنْفِيذٌ، وَفِي قَوْلٍ عَطِيَّةٌ مُبْتَدَأَةٌ، وَالْوَصِيَّةُ بِالزِّيَادَةِ لَغْوٌ، وَيُعْتَبَرُ الْمَالُ يَوْمَ الْمَوْتِ، وَقِيلَ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ، يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ أَيْضًا عِتْقٌ عُلِّقَ بِالْمَوْتِ، وَتَبَرُّعٌ نُجِّزَ فِي مَرَضِهِ‏:‏ كَوَقْفٍ وَهِبَةٍ وَعِتْقٍ وَإِبْرَاءٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

فَصْلٌ‏:‏ فِي الْوَصِيَّةِ بِزَائِدٍ عَلَى الثُّلُثِ وَفِي حُكْمِ إجْمَاعِ تَبَرُّعَاتٍ مَخْصُوصَةٍ ‏(‏يَنْبَغِي‏)‏ أَيْ يُطْلَبُ مِنْهُ عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ ‏(‏أَنْ لَا يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ‏)‏ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ‏:‏ ‏{‏أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ جَاءَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي، فَقُلْتُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَلَغَ بِي مِنْ الْمَرَضِ مَا تَرَى وَأَنَا ذُو مَالٍ‏.‏ وَلَا يَرِثُنِي إلَّا ابْنَةٌ أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي‏؟‏ قَالَ‏:‏ لَا، قُلْتُ‏:‏ فَالشَّطْرُ‏.‏ قَالَ‏:‏ لَا، قُلْتُ‏:‏ فَالثُّلُثُ قَالَ‏:‏ الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ‏}‏ فَالْوَصِيَّةُ بِالزَّائِدِ مَكْرُوهَةٌ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَإِنْ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ بِحُرْمَتِهَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

عِبَارَةُ الْمُصَنِّف أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهَا لَا يُطْلَبُ، وَهُوَ إمَّا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ فَيَصْدُقُ بِالْمُبَاحِ وَالْحَرَامِ وَالْمَكْرُوهِ بِخِلَافِ عِبَارَةِ الْكِتَابِ فَإِنَّهَا لَا تَصْدُقُ بِالْمُبَاحِ لِأَنَّ يَنْبَغِي إمَّا أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى يُنْدَبُ كَمَا حَلَّيْتُهُ عَلَيْهِ أَوْ يَجِبُ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِالْإِبَاحَةِ فِيمَا عَلِمْتُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَ بِذَلِكَ حِرْمَانَ الْوَرَثَةِ أَمْ لَا وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إنَّهُ يُجْزَمُ بِحُرْمَتِهَا حِينَئِذٍ لِأَنَّ تَنْفِيذَهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى إجَازَتِهِمْ‏.‏ وَسُنَّ أَنْ يُنْقِصَ عَنْ الثُّلُثِ شَيْئًا خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَ ذَلِكَ، وَلِاسْتِكْثَارِ الثُّلُثِ فِي الْخَبَرِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ الْوَرَثَةُ أَغْنِيَاءَ أَمْ لَا، وَإِنْ قَالَ الْمُصَنِّف فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ‏:‏ إنَّهُمْ إذَا كَانُوا أَغْنِيَاءَ لَا يُسْتَحَبُّ النَّقْصُ وَإِلَّا اُسْتُحِبَّ ‏(‏فَإِنْ زَادَ‏)‏ فِي الْوَصِيَّةِ عَلَى الثُّلُثِ ‏(‏وَرَدَّ‏)‏ ‏(‏الْوَارِثُ‏)‏ الْخَاصُّ الْمُطْلَقُ التَّصَرُّفِ ‏(‏بَطَلَتْ فِي الزَّائِدِ‏)‏ عَلَى الثُّلُثِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ حَقُّهُ‏.‏ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ خَاصٌّ فَالْوَصِيَّةُ بِالزَّائِدِ لَغْوٌ لِأَنَّهُ حَقُّ الْمُسْلِمِينَ فَلَا مُجِيزَ أَوْ كَانَ وَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ صِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ فَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِهِ، وَمُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ أَنَّ الْأَمْرَ يُوقَفُ إلَى تَأَهُّلِ الْوَارِثِ وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ تُوُقِّعَتْ أَهْلِيَّتُهُ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ‏.‏ قَالَ شَيْخِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ يَدَ الْوَارِثِ عَلَيْهِ فَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ‏(‏وَإِنْ أَجَازَ‏)‏ الْمُطْلَقُ التَّصَرُّفَ ‏(‏فَإِجَازَتُهُ تَنْفِيذٌ‏)‏ أَيْ‏:‏ إمْضَاءٌ لِتَصَرُّفِ الْمُوصِي بِالزَّائِدِ، وَتَصَرُّفُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مُضَافٌ لِلْمِلْكِ، وَحَقُّ الْوَارِثِ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي ثَانِي الْحَالِ فَأَشْبَهَ بَيْعَ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ ‏(‏وَفِي قَوْلٍ عَطِيَّةٌ‏)‏ أَيْ هِبَةٌ ‏(‏مُبْتَدَأَةٌ‏)‏ مِنْ الْوَارِثِ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا شُرُوطُهَا‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَهَذَا الْخِلَافُ لَا يَخْتَصُّ بِالْوَارِثِ كَمَا يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُهُمْ بَلْ أَصْحَابُ الدُّيُونِ الْمُسْتَغْرِقَةِ كَذَلِكَ حَتَّى لَوْ أَجَازُوا وَرَدَّ الْوَارِثُ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ لِأَنَّ الْحَقَّ إنَّمَا هُوَ لِلْغُرَمَاءِ، وَلَا يَنْتَقِلُ لِلْوَارِثِ إلَّا بِسُقُوطِ الدَّيْنِ أَصْلًا، وَالْإِجَازَةُ لَا تُسْقِطُ الدَّيْنَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ لَهُ دَفِينٌ وَنَحْوُهُ وُفُّوا مِنْهُ، وَإِذَا قُلْنَا تَنْفِيذٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُحْسَبُ مِنْ ثُلُثِ مَنْ يُجِيزُ فِي مَرَضِهِ لِلْمُوصَى لَهُ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ وَرَثَةِ مَنْ يُجِيزُ فِي مَرَضِهِ لِوَارِثِهِ‏.‏ ا هـ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏(‏وَالْوَصِيَّةُ بِالزِّيَادَةِ لَغْوٌ‏)‏ لَا فَائِدَةَ لَهُ بَعْدَ الْحُكْمِ بِكَوْنِ الزِّيَادَةِ عَطِيَّةً مِنْ الْوَارِثِ، وَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِفَلَسٍ‏.‏ فَإِنْ قُلْنَا‏:‏ الْإِجَازَةُ ابْتِدَاءً عَطِيَّةٌ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ قُلْنَا تَنْفِيذٌ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ فَالْقِيَاسُ صِحَّتُهُ، وَفِيهِ وَقْفَةٌ، وَالْأَشْبَهُ الْمَنْعُ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ الْآنَ، وَلَمْ يَحْضُرْنِي فِيهِ نَقْلٌ‏.‏ ا هـ‏.‏

وَيُؤَيِّدُ الْقِيَاسَ كَلَامُ الزَّرْكَشِيّ السَّابِقُ ‏(‏وَيُعْتَبَرُ الْمَالُ‏)‏ الْمُوصَى بِثُلُثِهِ ‏(‏يَوْمَ الْمَوْتِ‏)‏ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَلَوْ أَوْصَى بِعَبْدٍ وَلَا عَبْدَ لَهُ ثُمَّ مَلَكَ عِنْدَ الْمَوْتِ عَبْدًا تَعَلَّقَتْ الْوَصِيَّةُ بِهِ وَلَوْ زَادَ مَالُهُ تَعَلَّقَتْ الْوَصِيَّةُ بِهِ ‏(‏وَقِيلَ‏)‏ يُعْتَبَرُ ‏(‏يَوْمَ الْوَصِيَّةِ‏)‏ وَعَلَيْهِ تَنْعَكِسُ الْأَحْكَامُ السَّابِقَةُ كَمَا لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِثُلُثِ مَالِهِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ يَوْمَ النَّذْرِ‏.‏ وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ ذَلِكَ وَقْتَ اللُّزُومِ نَظِيرُ الْمَوْتِ فِي الْوَصِيَّةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَا يَخْفَى أَنَّ الثُّلُثَ الَّذِي تُنَفَّذُ فِيهِ الْوَصِيَّةُ هُوَ الثُّلُثُ الْفَاضِلُ بَعْدَ الدَّيْنِ، فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لَمْ تُنَفَّذْ الْوَصِيَّةُ فِي شَيْءٍ، لَكِنَّهَا تَنْعَقِدُ حَتَّى نُنَفِّذَهَا لَوْ أَبْرَأَ الْغَرِيمُ أَوْ قَضَى عَنْهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ ‏(‏يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ‏)‏ الَّذِي يُوصَى بِهِ ‏(‏أَيْضًا عِتْقٌ عُلِّقَ بِالْمَوْتِ‏)‏ سَوَاءٌ أَعُلِّقَ فِي الصِّحَّةِ أَمْ فِي الْمَرَضِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى قَوْلِهِ‏:‏ يَنْبَغِي إلَخْ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ أَيْضًا‏:‏ فَإِنَّهُ مَصْدَرَ آضَ‏:‏ أَيْ‏:‏ رَجَعَ ‏(‏وَ‏)‏ يُعْتَبَرُ أَيْضًا ‏(‏تَبَرُّعٌ نُجِّزَ فِي مَرَضِهِ‏)‏ الَّذِي مَاتَ فِيهِ ‏(‏كَوَقْفٍ وَهِبَةٍ وَعِتْقٍ وَإِبْرَاءٍ‏)‏ لِخَبَرِ‏:‏ ‏{‏إنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ زِيَادَةً لَكُمْ فِي أَعْمَالِكُمْ‏}‏ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَفِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ وَلَوْ وَهَبَ فِي الصِّحَّةِ وَأَقْبَضَ فِي الْمَرَضِ اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ أَيْضًا، إذْ لَا أَثَرَ لِتَقَدُّمِ الْهِبَةِ، وَخَرَجَ‏:‏ بِتَبَرُّعٍ مَا لَوْ اسْتَوْلَدَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ تَبَرُّعًا بَلْ إتْلَافًا وَاسْتِمْتَاعًا فَهُوَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَبِمَرَضِهِ تَبَرُّعٌ نُجِّزَ فِي صِحَّتِهِ فَيُحْسَبُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، لَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنْ الْعِتْقِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ عِتْقُ أُمِّ الْوَلَدِ إذَا أَعْتَقَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَإِنَّهُ يُنَفَّذُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ مَعَ أَنَّهُ تَبَرُّعٌ نُجِّزَ فِي الْمَرَضِ‏.‏ وَاعْلَمْ أَنَّ قِيمَةَ مَا يَفُوتُ عَلَى الْوَرَثَةِ يُعْتَبَرُ بِوَقْتِ التَّفْوِيتِ فِي الْمُنَجَّزِ وَبِوَقْتِ الْمَوْتِ فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ فَقَدْ صَرَّحُوا فِي بَابِ الْعِتْقِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ لِمَعْرِفَةِ الثُّلُثِ فِيمَنْ أَعْتَقَهُ مُنَجَّزًا فِي الْمَرَضِ قِيمَةُ يَوْمِ الْإِعْتَاقِ وَفِيمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ قِيمَةُ يَوْمِ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ وَقْتُ الِاسْتِحْقَاقِ وَفِيمَا بَقِيَ لِلْوَرَثَةِ بِأَقَلِّ قِيمَةٍ مِنْ يَوْمِ الْمَوْتِ إلَى يَوْمِ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ يَوْمَ الْمَوْتِ أَقَلَّ فَالزِّيَادَةُ حَصَلَتْ فِي مِلْكِ الْوَارِثِ أَوْ يَوْمَ الْقَبْضِ أَقَلَّ، فَمَا نَقَصَ قَبْلَهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي يَدِهِ فَلَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ جَارٍ فِي غَيْرِ الْعِتْقِ، وَلَوْ أَوْصَى بِتَأْجِيلِ الْحَالِّ اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ، وَلِلرُّويَانِيِّ احْتِمَالُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا التَّفَاوُتُ‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَهُوَ قَوِيٌّ‏.‏

المتن‏:‏

وَإِذَا اجْتَمَعَ تَبَرُّعَاتٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَوْتِ وَعَجَزَ الثُّلُثُ فَإِنْ تَمَحَّضَ الْعِتْقُ أُقْرِعَ أَوْ غَيْرُهُ قُسِّطَ الثُّلُثُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَإِذَا اجْتَمَعَ‏)‏ فِي وَصِيَّةٍ ‏(‏تَبَرُّعَاتٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَوْتِ‏)‏ وَإِنْ كَانَتْ مُرَتَّبَةً ‏(‏وَعَجَزَ الثُّلُثُ‏)‏ عَنْهَا أَيْ‏:‏ لَمْ يُوفِ بِهَا ‏(‏فَإِنْ تَمَحَّضَ الْعِتْقُ‏)‏ كَأَنْ قَالَ‏:‏ إذَا مِتُّ فَأَنْتُمْ أَحْرَارٌ أَوْ غَانِمٌ وَسَالِمٌ وَبَكْرٌ أَحْرَارٌ ‏(‏أُقْرِعَ‏)‏ بَيْنَهُمْ، فَمَنْ قُرِعَ عَتَقَ مِنْهُ مَا يَكْفِي الثُّلُثَ وَسَيَأْتِي كَيْفِيَّةُ الْقُرْعَةِ فِي بَابَيْ الْقِسْمَةِ وَالْعِتْقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَعْتِقُ مِنْ كُلٍّ بَعْضُهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعِتْقِ تَخْلِيصُ الشَّخْصِ مِنْ الرِّقِّ، وَلَا يَحْصُلُ مَعَ التَّشْقِيصِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتَبَرْ تَرَتُّبُهَا مَعَ إضَافَتِهَا لِلْمَوْتِ لِاشْتِرَاكِهَا فِي وَقْتِ نَفَاذِهَا، وَهُوَ وَقْتُ الْمَوْتِ، بَلْ لَا يُقَدَّمُ الْعِتْقُ الْمُعَلَّقُ بِالْمَوْتِ عَلَى الْمُوصَى بِإِعْتَاقِهِ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي يَحْتَاجُ إلَى إنْشَاءِ عِتْقِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ وَقْتَ اسْتِحْقَاقِهِمَا وَاحِدٌ‏.‏ نَعَمْ إنْ اعْتَبَرَ الْمُوصِي وُقُوعَهَا مُرَتَّبَةً، كَأَنْ قَالَ‏:‏ أَعْتِقُوا سَالِمًا بَعْدَ مَوْتِي ثُمَّ غَانِمًا ثُمَّ بَكْرًا قُدِّمَ مَا قَدَّمَهُ جَزْمًا‏.‏ فَإِنْ قِيلَ لَوْ قَالَ‏:‏ إذَا مِتُّ فَسَالِمٌ حُرٌّ ثُمَّ غَانِمٌ ثُمَّ نَافِعٌ لَمْ يُقَدَّمْ الْأَوَّلُ، بَلْ هُمْ سَوَاءٌ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّف‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ التَّبَرُّعَاتِ فِيمَا مَثَّلُوا بِهِ اعْتَبَرَ الْمُوصِي وُقُوعَهَا مُرَتَّبَةً مِنْ غَيْرِهِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَقَعَ عَلَى وَفْقِ اعْتِبَارِهِ بِخِلَافِ هَذَا، وَلَوْ دَبَّرَ عَبْدًا عِنْدَ مَوْتِهِ وَأَوْصَى بِإِعْتَاقِ آخَرَ لَمْ يُقَدَّمْ أَحَدُهُمَا ‏(‏أَوْ‏)‏ تَمَحَّضَ تَبَرُّعَاتٌ ‏(‏غَيْرُهُ قُسِّطَ الثُّلُثُ‏)‏ عَلَى الْجَمِيعِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ أَوْ الْمِقْدَارِ كَمَا تُقَسَّمُ التَّرِكَةُ بَيْنَ أَرْبَابِ الدُّيُونِ‏.‏ فَلَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِمِائَةٍ وَلِبَكْرٍ بِخَمْسِينَ وَلِعَمْرٍو بِخَمْسِينَ وَثُلُثُ مَالِهِ مِائَةٌ أُعْطِيَ الْأَوَّلُ خَمْسِينَ، وَكُلٌّ مِنْ الْآخَرَيْنِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ، وَلَا يُقَدَّمُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ بِالسَّبْقِ لِأَنَّ الْوَصَايَا إنَّمَا تُمْلَكُ بِالْمَوْتِ، فَاسْتَوَى فِيهَا حُكْمُ الْمُتَقَدِّمِ وَالْمُتَأَخِّرِ وَقَاسَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْعَوْلِ فِي الْفَرَائِضِ، هَذَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَلَوْ رَتَّبَ كَأَنْ قَالَ‏:‏ اُعْطُوا زَيْدًا مِائَةً ثُمَّ عَمْرًا مِائَةً جَرَى عَلَيْهِ حُكْمُ تَرْتِيبِهِ‏.‏

المتن‏:‏

أَوْ هُوَ وَغَيْرُهُ قُسِّطَ بِالْقِيمَةِ، وَفِي قَوْلٍ يُقَدَّمُ الْعِتْقُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏أَوْ هُوَ‏)‏ أَيْ اجْتَمَعَ عِتْقٌ ‏(‏وَغَيْرُهُ‏)‏ كَأَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ سَالِمٍ وَلِزَيْدٍ بِمِائَةٍ ‏(‏قُسِّطَ‏)‏ الثُّلُثُ عَلَيْهِمَا ‏(‏بِالْقِيمَةِ‏)‏ لِلْعَتِيقِ لِاتِّحَادِ وَقْتِ الِاسْتِحْقَاقِ، فَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ مِائَةً وَالثُّلُثُ مِائَةٌ عَتَقَ نِصْفُهُ وَلِزَيْدٍ خَمْسُونَ ‏(‏وَفِي قَوْلٍ يُقَدَّمُ الْعِتْقُ‏)‏ لِقُوَّتِهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقِّ الْآدَمِيِّ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

يُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِ مَسْأَلَةٌ، وَهِيَ مَا لَوْ دَبَّرَ عَبْدَهُ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ وَأَوْصَى لَهُ بِمِائَةٍ وَثُلُثُ مَالِهِ مِائَةٌ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ كُلُّهُ وَلَا شَيْءَ لِلْوَصِيَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ‏:‏ يُقَسَّطُ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ، فَإِنْ اعْتَبَرَ الْمُوصِي وُقُوعَ التَّبَرُّعَاتِ مُرَتَّبَةً بَعْدَ الْمَوْتِ، كَأَنْ قَالَ‏:‏ اعْتِقُوا بَكْرًا ثُمَّ أَعْطُوا زَيْدًا مِائَةً قُدِّمَ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ‏.‏ وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ‏:‏ أَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ مَثَلًا ثُمَّ مَرِضَ شَهْرًا فَأَكْثَرَ وَمَاتَ فَحُكْمُهُ كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ فِي الصِّحَّةِ فَوُجِدَتْ الصِّفَةُ فِي الْمَرَضِ كَمَا قَالَاهُ هُنَا‏.‏

المتن‏:‏

أَوْ مُنَجَّزَةٌ قُدِّمَ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ حَتَّى يَتِمَّ الثُّلُثُ فَإِنْ وُجِدَتْ دُفْعَةً وَاتَّحَدَ الْجِنْسُ كَعِتْقِ عَبِيدٍ أَوْ إبْرَاءِ جَمْعٍ أُقْرِعَ فِي الْعِتْقِ وَقُسِّطَ فِي غَيْرِهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏أَوْ‏)‏ اجْتَمَعَ تَبَرُّعَاتٌ ‏(‏مُنَجَّزَةٌ‏)‏ كَأَنْ أَعْتَقَ وَوَقَفَ وَتَصَدَّقَ ‏(‏قُدِّمَ الْأَوَّلُ‏)‏ مِنْهَا ‏(‏فَالْأَوَّلُ حَتَّى يَتِمَّ الثُّلُثُ‏)‏ لِقُوَّتِهِ وَنُفُوذِهِ لِأَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى إجَازَةٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ فِيهَا عِتْقٌ أَمْ لَا اتَّحَدَ جِنْسُهَا أَمْ لَا وَيَتَوَقَّفُ مَا بَقِيَ مِنْهَا عَلَى إجَازَةِ الْوَارِثِ ‏(‏فَإِنْ وُجِدَتْ‏)‏ هَذِهِ التَّبَرُّعَاتُ ‏(‏دُفْعَةً‏)‏ بِضَمِّ الدَّالِ‏:‏ إمَّا مِنْهُ، أَوْ بِوَكَالَةٍ ‏(‏وَاتَّحَدَ الْجِنْسُ‏)‏ فِيهَا ‏(‏كَعِتْقِ عَبِيدٍ أَوْ إبْرَاءِ جَمْعٍ‏)‏ كَقَوْلِهِ‏:‏ أَعْتَقْتُكُمْ أَوْ أَبْرَأْتُكُمْ ‏(‏أُقْرِعَ فِي الْعِتْقِ‏)‏ خَاصَّةً حَذَرًا مِنْ التَّشْقِيصِ فِي الْجَمِيع لِخَبَرِ مُسْلِمٍ‏:‏ ‏{‏أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةً مَمْلُوكِينَ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ فَدَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَزَّأَهُمْ أَثْلَاثًا وَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً‏}‏‏.‏ قَالَ الْإِمَامُ‏:‏ وَلَوْلَا الْحَدِيثُ لَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَعْتِقَ مِنْ كُلِّ عَبْدٍ مِقْدَارُ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الثُّلُثِ، وَلَكِنَّ الشَّافِعِيَّ تَرَكَهُ لِلْحَدِيثِ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْإِعْتَاقِ تَخْلِيصُ الرَّقَبَةِ‏.‏ وَلَا يَحْصُلُ هَذَا الْغَرَضُ مَعَ بَقَاءِ رِقِّ بَعْضِهِ ‏(‏وَقَسَّطَ‏)‏ بِالْقِيمَةِ ‏(‏فِي غَيْرِهِ‏)‏ كَمَا مَرَّ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ عِتْقِ الْعَبِيدِ مُرَتَّبًا وَدُفْعَةً، وَسَكَتَ عَمَّا إذَا أَشْكَلَ الْأَمْرُ بِأَنْ عُلِمَ التَّرْتِيبُ وَلَمْ يُعْلَمْ الْأَوَّلُ أَوْ عُلِمَ ثُمَّ نَسِيَ‏.‏ وَحُكْمُهُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي بَابِ الدَّعَاوَى مِنْ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا يُقْرَعُ بَلْ يَعْتِقُ مِنْ كُلٍّ بَعْضُهُ‏.‏

المتن‏:‏

وَإِنْ اخْتَلَفَ وَتَصَرَّفَ وُكَلَاءُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا عِتْقٌ قُسِّطَ، وَإِنْ كَانَ قُسِّطَ، وَفِي قَوْلٍ يُقَدَّمُ الْعِتْقُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَإِنْ اخْتَلَفَ‏)‏ جِنْسُ التَّبَرُّعَاتِ ‏(‏وَتَصَرَّفَ‏)‏ فِيمَا دَفَعَهُ ‏(‏وُكَلَاءُ‏)‏ الْمُوصِي ‏(‏فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا عِتْقٌ‏)‏ بِأَنْ تَمَحَّضَ غَيْرُهُ، كَأَنْ وَكَّلَ وَكِيلًا فِي هِبَةٍ، وَآخَرَ فِي بَيْعٍ بِمُحَابَاةٍ، وَآخَرَ فِي صَدَقَةٍ وَتَصَرَّفُوا دُفْعَةً وَاحِدَةً ‏(‏قُسِّطَ‏)‏ الثُّلُثُ عَلَى الْكُلِّ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ كَمَا يُفْعَلُ فِي الدُّيُونِ ‏(‏وَإِنْ كَانَ‏)‏ فِي تَصَرُّفِ الْوُكَلَاءِ عِتْقٌ ‏(‏قُسِّطَ‏)‏ الثُّلُثُ عَلَيْهَا أَيْضًا ‏(‏وَفِي قَوْلٍ يُقَدَّمُ الْعِتْقُ‏)‏ هُمَا الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ بِتَوْجِيهِهِمَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَدْ يُوهِمُ تَصْوِيرُ الْمُصَنِّفِ حَصْرَ وُقُوعِ التَّصَرُّفَاتِ دُفْعَةً بِتَصَرُّفِ وُكَلَاءَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ بِغَيْرِهِ مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُ تَصْوِيرُهَا بِغَيْرِهِ كَأَنْ يُقَالَ لَهُ‏:‏ أَعْتَقْتَ وَأَبْرَأْت وَوَقَفْتَ فَيَقُولُ‏:‏ نَعَمْ، وَبَقِيَ قِسْمٌ مِنْ أَقْسَامِ الْمَسْأَلَةِ أَهْمَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَهِيَ تَبَرُّعَاتٌ مُنَجَّزَةٌ وَتَبَرُّعَاتٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَوْتِ فَيُقَدَّمُ الْمُنَجَّزُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا لَازِمَةٌ لَا يَتَمَكَّنُ الْمَرِيضُ مِنْ الرُّجُوعِ عَنْهَا، وَقَوْلُهُ فِي الْبُيُوعِ الْمُنَجَّزَةِ سَالِمٌ حُرٌّ وَغَانِمٌ حُرٌّ تَرْتِيبٌ لَا سَالِمٌ وَغَانِمٌ حُرَّانِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدَانِ فَقَطْ سَالِمٌ وَغَانِمٌ فَقَالَ إنْ أَعْتَقْت غَانِمًا فَسَالِمٌ حُرٌّ ثُمَّ أَعْتَقَ غَانِمًا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عَتَقَ وَلَا إقْرَاعَ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدَانِ فَقَطْ سَالِمٌ وَغَانِمٌ، فَقَالَ‏:‏ إنْ أَعْتَقْت غَانِمًا فَسَالِمٌ حُرٌّ، ثُمَّ أَعْتَقَ غَانِمًا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عَتَقَ‏)‏ غَانِمٌ فَقَطْ لِسَبْقِهِ ‏(‏وَلَا إقْرَاعَ‏)‏ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَخْرُجَ الْقُرْعَةُ بِالْحُرِّيَّةِ لِسَالِمٍ فَيَلْزَمُ إرْقَاقُ غَانِمٍ فَيَفُوتُ شَرْطُ عِتْقِ سَالِمٍ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الْإِقْرَاعِ، وَلِهَذَا ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ تِلْوَهَا‏.‏ وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ‏:‏ إنْ أَعْتَقْت غَانِمًا فَسَالِمٌ حُرٌّ فِي حَالِ إعْتَاقِ غَانِمٍ ثُمَّ أَعْتَقَ غَانِمًا فِي مَرَضِهِ، وَقِيلَ‏:‏ يُقْرَعُ كَمَا لَوْ قَالَ‏:‏ أَعْتَقْتُكُمَا، وَاسْتَثْنَى صُورَةً أُخْرَى ذَكَرَهَا فِي بَابِ الْعِتْقِ، وَهِيَ إذَا قَالَ‏:‏ ثُلُثُ كُلِّ وَاحِدٍ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي فَيَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُهُ عِنْدَ الْإِمْكَانِ، وَلَا قُرْعَةَ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ فَقَطْ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُرِيدَ لَا مَالَ لَهُ سِوَاهُمَا أَوْ لَا عَبِيدَ إنْ أَرَادَ الْأَوَّلَ لَمْ يَسْتَقِمْ قَوْلُهُ آخِرًا عَتَقَ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ حِينَئِذٍ، وَإِنَّمَا يَعْتِقُ مِنْ غَانِمٍ ثُلُثَاهُ إنْ تَسَاوَتْ قِيمَتُهَا، وَإِنْ تَفَاوَتَا فَبِقَدْرِهِ، وَإِنْ أَرَادَ الثَّانِيَ وَهُوَ ظَاهِرُ الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ وَحَمَلَهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُ فَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ الثُّلُثُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ إلَّا أَحَدُهُمَا‏.‏ أَمَّا إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ أَحَدُهُمَا بِكَمَالِهِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ مِنْهُ بِقِسْطِهِ أَوْ يَخْرُجُ مَعَهُ سَالِمٌ أَوْ بَعْضُهُ فَإِنَّهُمَا يَعْتِقَانِ فِي الْأُولَى وَغَانِمٌ وَبَعْضُ سَالِمٍ فِي الثَّانِيَةِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ أَوْصَى بِعَيْنٍ حَاضِرَةٍ هِيَ ثُلُثُ مَالِهِ وَبَاقِيهِ غَائِبٌ لَمْ تُدْفَعْ كُلُّهَا إلَيْهِ فِي الْحَالِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُتَسَلَّطُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الثُّلُثِ أَيْضًا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ أَوْصَى‏)‏ لِشَخْصٍ ‏(‏بِعَيْنٍ حَاضِرَةٍ هِيَ ثُلُثُ مَالِهِ وَبَاقِيه غَائِبٌ لَمْ تُدْفَعْ‏)‏ أَيْ الْعَيْنُ ‏(‏كُلُّهَا إلَيْهِ فِي الْحَالِ‏)‏ لِاحْتِمَالِ تَلَفِ الْغَائِبِ فَلَا يَحْصُلُ لِوَرَثَةٍ مَثَلًا مَا حَصَلَ لِلْمُوصَى لَهُ ‏(‏وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُتَسَلَّطُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الثُّلُثِ‏)‏ مِنْ تِلْكَ الْعَيْنِ ‏(‏أَيْضًا‏)‏ لِأَنَّ تَسَلُّطَهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى تَسَلُّطِ الْوَارِثِ عَلَى مِثْلَيْ مَا يَتَسَلَّطُ هُوَ عَلَيْهِ، وَالْوَارِثُ لَا يَتَسَلَّطُ عَلَى ثُلُثَيْ الْحَاضِرِ لِاحْتِمَالِ سَلَامَةِ الْغَائِبِ فَيَحْصُلُ لِلْمُوصَى لَهُ الْجَمِيعُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَذِنُوا لَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِي الثُّلُثِ صَحَّ كَمَا قَالَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ الزَّرْكَشِيُّ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ يَتَسَلَّطُ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ لِهَذَا الْقَدْرِ مُتَعَيِّنٌ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

يَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَخْصِيصُ مَنْعِ الْوَارِثِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي ثُلُثَيْ الْحَاضِرِ بِالتَّصَرُّفِ النَّاقِلِ لِلْمِلْكِ كَالْبَيْعِ، فَإِنْ كَانَ التَّصَرُّفُ بِاسْتِخْدَامٍ وَإِيجَارٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا مَنْعَ مِنْهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَإِذَا تَصَرَّفَ الْوَارِثُ فِيهِمَا وَبَانَ تَلَفُ الْغَائِبِ فَفِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ يَنْبَغِي تَخْرِيجُهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا أَيْ‏:‏ فَيَصِحُّ، فَإِنْ عَادَ إلَيْهِمْ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ التَّصَرُّفِ، قَالَهُ السَّرَخْسِيُّ‏.‏ وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِزَيْدٍ وَلَهُ عَيْنٌ وَدَيْنٌ أَعْطَى ثُلُثَ الْعَيْنِ، وَكُلَّمَا نُصَّ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ أَعْطَى ثُلُثَهُ، أَوْ قَالَ أَعْطُوهُ كُلَّ يَوْمٍ مُدًّا مِنْ طَعَامٍ أَعْطَى الْيَوْمَ وَيُوقَفُ بَاقِي الثُّلُثِ فَيُعْطَى مُتَفَرِّقًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَسْتَحِقَّهُ الْوَارِثُ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏فِي بَيَانِ الْمَرَضِ الْمَخُوفِ وَالْمُلْحَقِ بِهِ الْمُقْتَضِيَيْنِ لِلْحَجْرِ فِي التَّبَرُّعَاتِ الزَّائِدَةِ عَلَى الثُّلُثِ‏]‏

المتن‏:‏

إذَا ظَنَنَّا الْمَرَضَ مَخُوفًا لَمْ يَنْفُذْ تَبَرُّعٌ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، فَإِنْ بَرَأَ نَفَذَ، وَإِنْ ظَنَنَّاهُ غَيْرَ مَخُوفٍ فَمَاتَ فَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْفَجْأَةِ نَفَذَ، وَإِلَّا فَمَخُوفٌ، وَلَوْ شَكَكْنَا فِي كَوْنِهِ مَخُوفًا لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِطَبِيبَيْنِ حُرَّيْنِ عَدْلَيْنِ، وَمِنْ الْمَخُوفِ قُولَنْجُ، وَذَاتُ جَنْبٍ وَرُعَافٌ دَائِمٌ‏.‏ وَإِسْهَالٌ مُتَوَاتِرٌ وَدِقٌّ، وَابْتِدَاءُ فَالِجٍ، وَخُرُوجُ طَعَامٍ غَيْرَ مُسْتَحِيلٍ، أَوْ كَانَ يَخْرُجُ بِشِدَّةٍ وَوَجَعٍ، أَوْ وَمَعَهُ دَمٌ، وَحُمًّى مُطْبَقَةٌ أَوْ غَيْرُهَا إلَّا الرِّبْعَ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِالْمَخُوفِ أَسْرُ كُفَّارٍ اعْتَادُوا قَتْلَ الْأَسْرَى، وَالْتِحَامُ قِتَالٍ بَيْنَ مُتَكَافِئَيْنِ، وَتَقْدِيمٌ لِقِصَاصٍ أَوْ رَجْمٍ، وَاضْطِرَابُ رِيحٍ، وَهَيَجَانُ مَوْجٍ فِي رَاكِبِ سَفِينَةٍ، وَطَلْقُ حَامِلٍ، وَبَعْدَ الْوَضْعِ مَا لَمْ تَنْفَصِلْ الْمَشِيمَةُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْمَرَضِ الْمَخُوفِ وَالْمُلْحَقِ بِهِ الْمُقْتَضِيَيْنِ لِلْحَجْرِ فِي التَّبَرُّعَاتِ الزَّائِدَةِ عَلَى الثُّلُثِ، وَقَدْ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَقَالَ‏:‏ ‏(‏إذَا ظَنَنَّا الْمَرَضَ مَخُوفًا‏)‏ أَيْ‏:‏ يُخَافُ مِنْهُ الْمَوْتُ لَا نَادِرًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَالِبًا كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّاهُ وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ ‏(‏لَمْ يَنْفُذْ‏)‏ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِ النُّونِ وَضَمِّ الْفَاءِ، وَيَجُوزُ ضَمُّ الْيَاءِ، وَفَتْحُ النُّونِ، وَتَشْدِيدُ الْفَاءِ ‏(‏تَبَرُّعٌ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ‏)‏ بَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي الزِّيَادَةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

اسْتَشْكَلَ إطْلَاقَ الْمُصَنِّفِ عَدَمَ النُّفُوذِ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ بِالنَّظَرِ لِبَاطِنِ الْأَمْرِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَظُنَّهُ مَخُوفًا أَوْ لَا إذْ الْمَنَاطُ حِينَئِذٍ الْمَرَضُ الْمَخُوفُ لَا ظَنًّا، وَإِنْ كَانَ بِالنَّظَرِ لِظَاهِرِ الْأَمْرِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْأَكْثَرِينَ حَيْثُ قَالُوا‏:‏ لَوْ أَعْتَقَ أَمَةً فِي مَرَضِ مَوْتِهِ جَازَ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا لِأَنَّهَا حُرَّةٌ فِي الظَّاهِرِ، وَلَا اعْتِبَارَ بِاحْتِمَالِ ظُهُورِ دَيْنٍ، فَإِنْ تَحَقَّقْنَا نُفُوذَ الْعِتْقِ اسْتَمَرَّتْ الصِّحَّةُ، وَإِلَّا فَإِنْ أَجَازَ الْوَارِثُ وَقُلْنَا‏:‏ هِيَ تَنْفِيذٌ، فَكَمَا لَوْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ رَدَّ أَوْ أَجَازَ وَقُلْنَا‏:‏ هِيَ عَطِيَّةٌ مُبْتَدَأَةٌ بَانَ فَسَادُهُ‏.‏ وَقَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ‏:‏ لَيْسَ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا، فَكَلَامُهُمْ هَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى مَقَالَةِ ابْنِ الْحَدَّادِ‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَيَنْبَغِي حَمْلُ الْوَقْفِ فِي كَلَامِهِمْ عَلَى وَقْفِ الِاسْتِمْرَارِ وَاللُّزُومِ لِيَنْتَظِمَ الْكَلَامَانِ‏.‏ ا هـ‏.‏

وَهُوَ حَمْلٌ صَحِيحٌ ‏(‏فَإِنْ بَرَأَ‏)‏ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا أَيْ‏:‏ خَلَصَ مِنْ الْمَرَضِ ‏(‏نَفَذَ‏)‏ بِفَتْحِ النُّونِ التَّبَرُّعُ الْمَذْكُورُ‏:‏ أَيْ اسْتَمَرَّ نُفُوذُهُ لِتَبَيُّنِ عَدَمِ الْحَجْرِ فَإِنْ مَاتَ بِهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ أَوْ بِهَدْمٍ أَوْ غَرَقٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ تَرَدٍّ لَمْ يَنْفُذْ الزَّائِدُ عَلَى الثُّلُثِ، هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَنْتَهِ إلَى حَالَةٍ يُقْطَعُ فِيهَا بِمَوْتِهِ، فَإِنْ انْتَهَى إلَى ذَلِكَ بِأَنْ شَخَصَ بَصَرُهُ بِفَتْحِ الشِّينِ وَالْخَاءِ أَيْ‏:‏ فَتَحَ عَيْنَيْهِ بِغَيْرِ تَحْرِيكِ جَفْنٍ وَبَلَغَتْ رُوحُهُ الْحُلْقُومَ فِي النَّزْعِ، أَوْ ذُبِحَ أَوْ شُقَّ بَطْنُهُ وَخَرَجَتْ أَمْعَاؤُهُ أَوْ غَرِقَ فَغَمَرَهُ الْمَاءُ، وَهُوَ لَا يُحْسِنُ السِّبَاحَةَ فَلَا عِبْرَةَ بِكَلَامِهِ فِي وَصِيَّةٍ وَلَا فِي غَيْرِهَا فَهُوَ كَالْمَيِّتِ عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ ‏(‏وَإِنْ ظَنَنَّاهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَرَضَ ‏(‏غَيْرَ مَخُوفٍ فَمَاتَ‏)‏ مِنْهُ ‏(‏فَإِنْ حُمِلَ‏)‏ الْمَوْتُ مِنْ هَذَا الْمَرَضِ ‏(‏عَلَى‏)‏ مَوْتِ ‏(‏الْفَجْأَةِ‏)‏ بِضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحِ الْجِيمِ مَمْدُودًا وَبِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ مَقْصُورًا كَأَنْ مَاتَ وَبِهِ وَجَعُ ضِرْسٍ أَوْ عَيْنٍ ‏(‏نَفَذَ‏)‏ التَّبَرُّعُ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ أَيْ وَإِنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْفَجْأَةِ كَإِسْهَالِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ‏(‏فَمَخُوفٌ‏)‏ أَيْ تَبَيَّنَّا بِاتِّصَالِهِ بِالْمَوْتِ أَنَّهُ مَخُوفٌ، لَا أَنَّ إسْهَالَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ مَخُوفٌ فَلَا يُنَافِي مَا يَأْتِي‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ الْمَرَضُ إنْ اتَّصَلَ بِالْمَوْتِ كَانَ مَخُوفًا وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ لَنَا فِي مَعْرِفَتِهِ‏.‏ ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَوْ قُتِلَ أَوْ غَرِقَ مَثَلًا فِي هَذَا الْمَرَضِ إنْ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ مَخُوفٌ لَمْ يَنْفُذْ كَمَا مَرَّ وَإِلَّا نَفَذَ ‏(‏وَلَوْ شَكَكْنَا فِي كَوْنِهِ‏)‏ أَيْ الْمَرَضِ ‏(‏مَخُوفًا لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِ‏)‏ قَوْلِ ‏(‏طَبِيبَيْنِ‏)‏ عَالِمَيْنِ بِالطِّبِّ ‏(‏حُرَّيْنِ عَدْلَيْنِ‏)‏ أَيْ مَقْبُولَيْ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ مِنْ الْمُوصَى لَهُ وَالْوَارِثِ فَاشْتُرِطَ فِيهِ شَرْطُ الشَّهَادَةِ كَغَيْرِهَا، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ طَبِيبَيْنِ كَوْنُهُمَا عَالِمَيْنِ بِالطِّبِّ، وَمِنْ قَوْلِهِ عَدْلَيْنِ كَوْنُهُمَا مُسْلِمَيْنِ مُكَلَّفَيْنِ فَإِنَّهُمَا مِنْ شُرُوطِ الْعَدَالَةِ، فَلَا يَثْبُتُ بِنِسْوَةٍ وَلَا بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى غَيْرِ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ الْمَالَ‏.‏ نَعَمْ إنْ كَانَ الْمَرَضُ عِلَّةً بَاطِنَةً بِامْرَأَةٍ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا الرِّجَالُ غَالِبًا ثَبَتَ بِمَنْ ذُكِرَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَشْعَرَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِقَبُولِ شَهَادَتِهِمَا فِي كَوْنِ الْمَرَضِ غَيْرَ مَخُوفٍ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ خِلَافًا لِلْمُتَوَلِّي وَإِنْ عَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّهَا شَهَادَةُ نَفْيٍ؛ لِأَنَّهُ نَفْيٌ مَحْصُورٌ، وَلَوْ قَالَ الطَّبِيبَانِ‏:‏ هَذَا الْمَرَضُ سَبَبٌ ظَاهِرٌ يَتَوَلَّدُ مِنْهُ مَخُوفٌ فَمَخُوفٌ، أَوْ يُفْضِي إلَى مَخُوفٍ نَادِرًا فَلَا، وَلَوْ اخْتَلَفَ الْوَارِثُ وَالْمُتَبَرَّعُ عَلَيْهِ فِي كَوْنِ الْمَرَضِ مَخُوفًا بَعْدَ مَوْتِ الْمُتَبَرِّعِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُتَبَرَّعِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْخَوْفِ وَعَلَى الْوَارِثِ الْبَيِّنَةُ، وَلَمْ يُعَرِّفْ الْمُصَنِّفُ الْمَرَضَ الْمَخُوفَ اسْتِغْنَاءً بِذِكْرِ أَمْثِلَةٍ مِنْهُ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ ‏(‏وَمِنْ الْمَخُوفِ قُولَنْجُ‏)‏ بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِهَا‏.‏ قَالَ الرَّافِعِيُّ‏:‏ وَهُوَ أَنْ يَنْعَقِدَ الطَّعَامُ فِي بَعْضِ الْأَمْعَاءِ فَلَا يَنْزِلُ وَيَصْعَدُ بِسَبَبِهِ الْبُخَارُ إلَى الدِّمَاغِ فَيُؤَدِّي إلَى الْهَلَاكِ وَيُقَالُ فِيهِ قُولُونٌ، وَيَنْفَعُهُ أُمُورٌ‏:‏ مِنْهَا التِّينُ وَالزَّبِيبُ وَالْمُبَادَرَةُ إلَى التَّنْقِيَةِ بِالْإِسْهَالِ، وَالْقَيْءِ، وَيَضُرُّهُ أُمُورٌ‏:‏ مِنْهَا حَبْسُ الرِّيحِ وَاسْتِعْمَالُ الْمَاءِ الْبَارِدِ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ هَذَا إنْ أَصَابَ مَنْ لَمْ يَعْتَدْهُ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُصِيبُهُ كَثِيرًا وَيُعَافَى مِنْهُ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ فَلَا انْتَهَى‏.‏ وَقَدْ يُقَالُ‏:‏ إنَّ هَذَا غَيْرُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ أَقْسَامٌ ‏(‏وَ‏)‏ مِنْهُ ‏(‏ذَاتُ جَنْبٍ‏)‏ وَسَمَّاهَا الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ذَاتَ خَاصِرَةٍ، وَهِيَ قُرُوحٌ تَحْدُثُ فِي دَاخِلِ الْجَنْبِ بِوَجَعٍ شَدِيدٍ ثُمَّ تَنْفَتِحُ فِي الْجُنُوبِ وَيَسْكُنُ الْوَجَعُ، وَذَلِكَ وَقْتُ الْهَلَاكِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ مَخُوفَةً لِقُرْبِهَا مِنْ الْقَلْبِ وَالْكَبِدِ، وَمَنْ عَلَامَاتِهَا ضِيقُ النَّفَسِ وَالسُّعَالُ وَالْحُمَّى الْمُلَازِمَةُ وَالْوَجَعُ الْفَاحِشُ تَحْتَ الْأَضْلَاعِ، أَجَارَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ ‏(‏وَ‏)‏ مِنْهُ ‏(‏رُعَافٌ‏)‏ بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ ‏(‏دَائِمٌ‏)‏ أَوْ كَثِيرٌ لِأَنَّهُ يُنْزِفُ الدَّمَ وَيُسْقِطُ الْقُوَّةَ، بِخِلَافِ غَيْرِ الدَّائِمِ الْقَلِيلِ، فَإِنَّهُ مِنْ مَصَالِحِ الْبَدَنِ‏.‏ ‏(‏وَ‏)‏ مِنْهُ ‏(‏إسْهَالٌ مُتَوَاتِرٌ‏)‏ أَيْ مُتَتَابِعٌ؛ لِأَنَّهُ يُنَشِّفُ رُطُوبَةَ الْبَدَنِ، وَيُسْقِطُ الْقُوَّةَ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُتَتَابِعِ كَإِسْهَالِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، فَلَيْسَ مَخُوفًا إلَّا أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُ دَمٌ مِنْ عُضْوٍ شَرِيفٍ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ، أَوْ انْضَمَّ إلَيْهِ انْخِرَاقُ بَطْنٍ بِحَيْثُ لَا يُمْسِكُ الطَّعَامَ وَيَخْرُجُ غَيْرَ مُسْتَحِيلٍ ‏(‏وَ‏)‏ مِنْهُ ‏(‏دِقٌّ‏)‏ بِكَسْرِ الدَّالِ، وَهُوَ دَاءٌ يُصِيبُ الْقَلْبَ وَلَا تَمْتَدُّ مَعَهُ الْحَيَاةُ غَالِبًا ‏(‏وَ‏)‏ مِنْهُ ‏(‏ابْتِدَاءُ فَالِجٍ‏)‏ وَهُوَ اسْتِرْخَاءُ أَحَدِ شِقَّيْ الْبَدَنِ طُولًا، وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى اسْتِرْخَاءِ أَيِّ عُضْوٍ كَانَ، وَسَبَبُهُ غَلَبَةُ الرُّطُوبَةِ وَالْبَلْغَمِ، وَإِنَّمَا كَانَ ابْتِدَاؤُهُ مَخُوفًا لِأَنَّهُ إذَا هَاجَ رُبَّمَا أَطْفَأَ الْحَرَارَةَ الْغَرِيزِيَّةَ، وَإِذَا اسْتَمَرَّ لَمْ يُخَفْ مِنْهُ الْمَوْتُ عَاجِلًا فَلَا يَكُونُ مَخُوفًا ‏(‏وَ‏)‏ مِنْهُ ‏(‏خُرُوجُ الطَّعَامِ‏)‏ مَعَ الْإِسْهَالِ كَمَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ، فَلَوْ ذَكَرَهُ عَقِبَ مُتَوَاتِرٍ كَانَ أَوْلَى، فَإِنَّهُ مِنْ تَتِمَّتِهِ، وَكَذَا صَنَعَ فِي الْمُحَرَّرِ حَيْثُ قَالَ‏:‏ وَالْإِسْهَالُ إنْ كَانَ مُتَوَاتِرًا، وَكَذَا إذَا خَرَجَ الطَّعَامُ ‏(‏غَيْرَ مُسْتَحِيلٍ‏)‏ وَغَيْرَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ، وَيَمْتَنِعُ الْجَرُّ عَلَى الصِّفَةِ لِكَوْنِهِ نَكِرَةً وَمَا قَبْلَهُ مَعْرِفَةٌ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ التَّعْرِيفُ فِيهِ لِلْجِنْسِ ‏(‏أَوْ كَانَ يَخْرُجُ‏)‏ مَعَ الْإِسْهَالِ أَيْضًا ‏(‏بِشِدَّةٍ وَوَجَعٍ‏)‏ وَيُسَمَّى الزَّحِيرَ أَوْ بِعَجَلَةٍ وَيَمْنَعُهُ مِنْ النَّوْمِ ‏(‏أَوْ‏)‏ لَا بِشِدَّةٍ وَوَجَعٍ ‏(‏وَ‏)‏ لَكِنْ ‏(‏مَعَهُ دَمٌ‏)‏ مِنْ عُضْوٍ شَرِيفٍ كَكَبِدٍ، بِخِلَافِ نَحْوِ دَمِ الْبَوَاسِيرِ‏.‏ قَالَ الشَّارِحُ‏:‏ وَذِكْرُ كَانَ مَعَ الْمُضَارِعِ لِإِفَادَةِ التَّكْرَارِ ‏(‏وَ‏)‏ مِنْهُ ‏(‏حُمَّى مُطْبَقَةٌ‏)‏ بِكَسْرِ الْبَاء وَفَتْحِهَا بِخَطِّهِ أَيْ‏:‏ لَازِمَةٌ، وَاقْتَصَرَ الْجَوْهَرِيُّ عَلَى الْفَتْحِ وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّف فِي تَحْرِيرِهِ وَهُوَ أَشْهَرُ ‏(‏أَوْ‏)‏ حُمَّى ‏(‏غَيْرُهَا‏)‏ أَيْ غَيْرُ الْمُطْبَقَةِ وَهِيَ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ‏:‏ حُمَّى الْوَرْدِ، وَهِيَ الَّتِي تَأْتِي كُلَّ يَوْمٍ‏.‏ وَحُمَّى الْغِبِّ، وَهِيَ الَّتِي تَأْتِي يَوْمًا وَتُقْلِعُ يَوْمًا‏.‏ وَحُمَّى الثِّلْثِ، وَهِيَ الَّتِي تَأْتِي يَوْمَيْنِ وَتُقْلِعُ يَوْمًا‏.‏ وَحُمَّى الْأَخَوَيْنِ، وَهِيَ الَّتِي تَأْتِي يَوْمَيْنِ وَتُقْلِعُ يَوْمَيْنِ ‏(‏إلَّا الرِّبْعَ‏)‏ فَلَيْسَتْ مَخُوفَةً وَهِيَ الَّتِي تَأْتِي يَوْمًا وَتُقْلِعُ يَوْمَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَقْوَى فِي يَوْمَيْ الْإِقْلَاعِ وَتَسْمِيَتُهَا الْعَامَّةُ الْمُثَلَّثَةَ وَقَدْ يُتَخَيَّلُ أَنَّهُ أَصْوَبُ مِنْ تَسْمِيَةِ الْفُقَهَاءِ لَهَا بِالرِّبْعِ لِمَا مَرَّ مِنْ الْمُدَّةِ، لَكِنْ فَسَّرَهَا الثَّعَالِبِيُّ فِي فِقْهِ اللُّغَةِ بِمَا قَالَهُ الْفُقَهَاءُ وَإِلْحَاقُهَا بِرِبْعِ الْإِبِلِ فِي وُرُودِ الْمَاءِ وَهُوَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا حُمَّى يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إلَّا إنْ اتَّصَلَ بِهَا قَبْلَ الْعَرَقِ مَوْتٌ فَقَدْ بَانَتْ مَخُوفَةً، بِخِلَافِ مَا إذَا اتَّصَلَ بِهَا بَعْدَ الْعَرَقِ؛ لِأَنَّ أَثَرَهَا زَالَ بِالْعَرَقِ وَالْمَوْتُ بِسَبَبٍ آخَرَ، وَالْحُمَّى الْيَسَرِيَّةُ لَيْسَتْ مَخُوفَةً بِحَالٍ، وَالرِّبْعُ وَالْوِرْدُ وَالْغِبُّ وَالثِّلْثُ بِكَسْرِ أَوَّلِهَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ‏:‏ وَمِنْ الْمَخُوفِ عَدَمُ انْحِصَارِهِ فِيمَا ذَكَرَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنَّهَا كَثِيرَةٌ، فَمِنْهُ هَيَجَانُ الْمِرَّةِ الصَّفْرَاءِ وَالْبَلْغَمِ وَالدَّمِ بِأَنْ يَتَوَرَّمَ وَيَنْصَبَّ إلَى عُضْوٍ كَيَدٍ وَرِجْلٍ فَيَحْمَرَّ وَيَنْتَفِخَ، وَمِنْهُ الطَّاعُونُ وَهُوَ هَيَجَانُ الدَّمِ فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ وَانْفِتَاحُهُ وَإِنْ لَمْ يُصَبْ الْمُتَبَرِّعُ إذَا كَانَ مِمَّا يَحْصُلُ لِأَمْثَالِهِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَمِنْهُ الْقَيْءُ الدَّائِمُ أَوْ الْمَصْحُوبُ بِخَلْطٍ مِنْ الْأَخْلَاطِ كَالْبَلْغَمِ أَوْ دَمٍ، وَمِنْهُ الْجِرَاحَةُ إذَا كَانَتْ نَافِذَةً إلَى الْجَوْفِ، أَوْ كَانَتْ عَلَى مَقْتَلٍ، أَوْ فِي مَوْضِعٍ كَثِيرِ اللَّحْمِ، أَوْ حَصَلَ مَعَهَا ضَرَبَانٌ شَدِيدٌ، أَوْ تَآكُلٌ، أَوْ تَوَرُّمٌ‏.‏ وَمِنْهُ الْبِرْسَامُ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ وَرَمٌ فِي حِجَابِ الْقَلْبِ أَوْ الْكَبِدِ يَصْعَدُ أَثَرُهُ إلَى الدِّمَاغِ ‏(‏وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِالْمَخُوفِ‏)‏ مِنْ الْأَمْرَاضِ السَّابِقَةِ ‏(‏أَسْرُ كُفَّارٍ اعْتَادُوا قَتْلَ الْأَسْرَى‏)‏ وَلَوْ اعْتَادَ الْبُغَاةُ أَوْ الْقُطَّاعُ قَتْلَ مَنْ أَسَرُوهُ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ‏.‏ أَمَّا مَنْ لَمْ يَعْتَدْ قَتْلَ الْأَسْرَى كَالرُّومِ فَلَا خَوْفَ فِي أَسْرِهِمْ ‏(‏وَالْتِحَامُ‏)‏ أَيْ اخْتِلَاطُ ‏(‏قِتَالٍ بَيْنَ‏)‏ فَرِيقَيْنِ ‏(‏مُتَكَافِئَيْنِ‏)‏ أَوْ قَرِيبَيْنِ مِنْ التَّكَافُؤِ سَوَاءٌ أَكَانَا مُسْلِمَيْنِ أَمْ كَافِرَيْنِ، أَمْ كَافِرًا وَمُسْلِمًا، وَلَفْظَةُ مُتَكَافِئَيْنِ مَزِيدَةٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ، وَلَا خَوْفَ إذَا لَمْ يَلْتَحِمْ الْقِتَالُ وَلَوْ كَانَا يَتَرَامَيَانِ بِالنِّشَابِ وَلَا فِي الْفَرِيقِ الْغَالِبِ ‏(‏وَتَقْدِيمٌ لِقِصَاصٍ‏)‏ بِخِلَافِ الْحَبْسِ لَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ، ثُمَّ حَكَى عَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ حَكَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ مُقْتَضَى مَا يَأْتِي فِي الْوَدِيعَةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا مَرِضَ مَرَضًا مَخُوفًا أَوْ حُبِسَ لِيُقْتَلَ لَزِمَهُ الْوَصِيَّةُ بِهَا؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ لِلْقَتْلِ كَالتَّقْدِيمِ لَهُ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ التَّقْدِيمَ لِلْقِصَاصِ وَقْتُ دَهْشَةٍ، فَلَوْ قِيلَ إنَّهُ لَا يُوصِي إلَّا ذَلِكَ الْوَقْتَ، فَإِمَّا أَنْ نُضَمِّنَهُ لَوْ تَرَكَ أَوْ لَا، إنْ ضَمَّنَّاهُ أَضْرَرْنَاهُ وَإِنْ لَمْ نُضَمِّنْهُ أَضْرَرْنَا بِالْمَالِكِ، فَاقْتَضَتْ الْمَصْلَحَةُ بِأَنْ يُلْحَقَ الْحَبْسُ لِلْقَتْلِ بِالْمَخُوفِ هُنَاكَ بِخِلَافِهِ هُنَا ‏(‏أَوْ رَجْمٍ‏)‏ فِي الزِّنَا، أَوْ قَتْلٍ فِي قَطْعِ طَرِيقٍ ‏(‏وَاضْطِرَابُ رِيحٍ‏)‏ هُوَ مُغْنٍ عَنْ قَوْلِهِ ‏(‏وَهَيَجَانُ مَوْجٍ‏)‏ لِتَلَازُمِهِمَا ‏(‏فِي‏)‏ حَقِّ ‏(‏ رَاكِبِ سَفِينَةٍ‏)‏ فِي بَحْرٍ أَوْ نَهْرٍ عَظِيمٍ كَالنِّيلِ وَالْفُرَاتِ وَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ السِّبَاحَةَ‏.‏ نَعَمْ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُحْسِنُهَا وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ السَّاحِلِ لَا يَكُونُ مَخُوفًا كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَلَا خَوْفَ إذَا كَانَ الْبَحْرُ سَاكِنًا ‏(‏وَطَلْقُ حَامِلٍ‏)‏ بِسَبَبِ وِلَادَةٍ بِخِلَافِ إسْقَاطِ عَلَقَةٍ أَوْ مُضْغَةٍ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ لِخَطَرِ الْوِلَادَةِ دُونَهُمَا، وَخَرَجَ بِطَلْقِ حَامِلٍ الْحَمْلُ نَفْسُهُ فَلَيْسَ بِمَخُوفٍ‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

رَوَى الثَّعْلَبِيُّ فِي تَفْسِيرِ آخِرِ سُورَةِ الْأَحْقَافِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ ‏"‏ إذَا عَسُرَ عَلَى الْمَرْأَةِ وِلَادَتُهَا فَيُكْتَبُ فِي صَحْفَةٍ ثُمَّ يُغْسَلُ وَيُسْقَى‏:‏ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَا إلَهُ إلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ، سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ وَرَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا، كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ ‏(‏وَبَعْدَ الْوَضْعِ مَا لَمْ تَنْفَصِلْ الْمَشِيمَةُ‏)‏ وَهِيَ الَّتِي تُسَمِّيهَا النِّسَاءُ الْخَلَاصَ، فَإِنْ انْفَصَلَتْ الْمَشِيمَةُ فَلَا خَوْفَ إنْ لَمْ يَحْصُلُ بِالْوِلَادَةِ جُرْحٌ، أَوْ ضَرَبَانٌ شَدِيدٌ، أَوْ وَرَمٌ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَا يُلْحَقُ بِالْأَمْرَاضِ السَّابِقَةِ وَجَعُ الْعَيْنِ وَلَا الضِّرْسِ وَلَا الصُّدَاعِ وَلَا الْهَرَمِ وَلَا الْجَرَبِ وَنَحْوُ ذَلِكَ‏.‏

المتن‏:‏

وَصِيغَتُهَا أَوْصَيْتُ لَهُ بِكَذَا أَوْ ادْفَعُوا إلَيْهِ أَوْ أَعْطُوهُ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ جَعَلْتُهُ لَهُ أَوْ هُوَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِي، فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى هُوَ لَهُ فَإِقْرَارٌ إلَّا أَنْ يَقُولَ هُوَ لَهُ مِنْ مَالِي فَيَكُونُ وَصِيَّةً، وَتَنْعَقِدُ بِكِنَايَةٍ، وَالْكِتَابَةُ كِنَايَةٌ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعُ وَهُوَ الصِّيغَةُ فَقَالَ‏:‏ ‏(‏وَصِيغَتُهَا‏)‏ أَيْ الْوَصِيَّةِ ‏(‏أَوْصَيْتُ لَهُ بِكَذَا، أَوْ ادْفَعُوا إلَيْهِ‏)‏ بَعْدَ مَوْتِي كَذَا ‏(‏أَوْ أَعْطُوهُ‏)‏ بِهَمْزَةِ قَطْعٍ، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، قَالَ‏:‏ وَوَصْلُهَا غَلَطٌ ‏(‏بَعْدَ مَوْتِي‏)‏ كَذَا ‏(‏أَوْ جَعَلْتُهُ‏)‏ لَهُ بَعْدَ مَوْتِي ‏(‏أَوْ هُوَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِي‏)‏ وَهَذِهِ كُلُّهَا صَرَائِحُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الرَّوْضَةِ، وَيُرْشِدُ لَهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَعْدُ‏:‏ وَيَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ، وَمِنْ صَرَائِحِهَا أَيْضًا‏:‏ مَلَّكْتُهُ لَهُ، أَوْ وَهَبْتُهُ لَهُ، أَوْ حَبَوْتَهُ بِهِ بَعْدَ مَوْتِي‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ بَعْدَ مَوْتِي فِي الْمَوْضِعَيْنِ قَيْدٌ فِي الْمَذْكُورَيْنِ قَبْلَهُ، فَلَوْ ذَكَرَ هَذَا الْقَيْدَ عَقِبَ كُلِّ صِيغَةٍ، أَوْ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِهِ بَعْدَ الْكُلِّ لِيَعُودَ إلَيْهَا عَلَى قَاعِدَةِ الشَّافِعِيِّ لَكَانَ أَحْسَنَ، عَلَى أَنَّ فِي عَوْدِهِ لِغَيْرِ الْأَخِيرَةِ نَظَرًا لِأَنَّ ذَاكَ إنَّمَا هُوَ فِي حُرُوفِ الْعَطْفِ الْجَامِعَةِ بِخِلَافِ مَا هُوَ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ مِثْلُ أَوْ‏:‏ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ وَغَيْرُهُ‏.‏ قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ‏:‏ فَيَتَعَيَّنُ حِينَئِذٍ ذِكْرُهُ عَقِبَ كُلِّ صِيغَةٍ انْتَهَى‏.‏ قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ‏:‏ وَيُؤَيِّدُ تَعَيُّنَ ذِكْرِهِ عَقِبَ كُلِّ صِيغَةٍ أَنَّهُ لَوْ ذَكَرَهُ بَعْدَ الْكُلِّ وَقُلْنَا‏:‏ يَعُودُ لِلْجَمِيعِ لَزِمَ كَوْنُهُ قَيْدًا فِي أَوْصَيْتُ لَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ‏(‏فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى‏)‏ قَوْلِهِ ‏(‏هُوَ لَهُ فَإِقْرَارٌ‏)‏ لِأَنَّهُ مِنْ صَرَائِحِهِ وَوَجَدَ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ فَلَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي الْوَصِيَّةِ ‏(‏إلَّا أَنْ يَقُولَ‏:‏ هُوَ لَهُ مِنْ مَالِي فَيَكُونُ وَصِيَّةً‏)‏ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَصِحُّ بِذَلِكَ فَيُحْتَمَلُ حِينَئِذٍ الْوَصِيَّةُ فَتُقْبَلُ إرَادَتُهَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

ظَاهِرُ كَلَامِهِ صَرَاحَتُهُ حِينَئِذٍ لِذِكْرِهِ لَهُ مَعَ الصَّرَائِحِ، وَاَلَّذِي فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ أَنَّهُ كِنَايَةٌ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ رَجَّحَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ صَرِيحٌ، فَلَوْ قَالَ‏:‏ هُوَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِي مِنْ مَالِي كَانَ وَصِيَّةً قَطْعًا، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى وَهَبْته لَهُ وَنَوَى الْوَصِيَّةَ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَرَائِحِ الْهِبَةِ، وَوَجَدَ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ فَلَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي الْوَصِيَّةِ ‏(‏وَتَنْعَقِدُ‏)‏ الْوَصِيَّةُ ‏(‏بِكِنَايَةٍ‏)‏ بِنُونٍ مَعَ النِّيَّةِ كَعَبْدِي هَذَا لِزَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ التَّعْيِينُ لَهَا وَالتَّعْيِينُ لِلْإِعَارَةِ، أَوْ عَيَّنْتُ هَذَا لَهُ كَالْبَيْعِ وَأَوْلَى؛ لِأَنَّهَا لَا تَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ فِي الْحَالِ فَأَشْبَهَتْ مَا يَسْتَقِلُّ بِهِ الْإِنْسَانُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ كِنَايَةً لِلتَّمَلُّكِ بِالْوَصِيَّةِ ‏(‏وَالْكِتَابَةُ‏)‏ بِالتَّاءِ ‏(‏كِنَايَةٌ‏)‏ بِنُونٍ فَيَنْعَقِدُ بِهَا مَعَ النِّيَّةِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَأَوْلَى، فَإِذَا كَتَبَ لِزَيْدٍ كَذَا وَنَوَى بِهِ الْوَصِيَّةَ لَهُ وَأَعْرَبَ بِالنِّيَّةِ نُطْقًا أَوْ وَرِثْتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ صَحَّتْ، وَلَوْ كَتَبَ أَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِكَذَا وَهُوَ نَاطِقٌ، وَأَشْهَدَ جَمَاعَةً أَنَّ الْكِتَابَ خَطُّهُ وَمَا فِيهِ وَصِيَّتُهُ وَلَمْ يُطْلِعْهُمْ عَلَى مَا فِيهِ لَمْ تَنْعَقِدْ وَصِيَّتُهُ كَمَا لَوْ قِيلَ لَهُ‏:‏ أَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِكَذَا فَأَشَارَ أَنْ نَعَمْ، فَإِنْ اعْتَقَلَ لِسَانُهُ فَوَصِيَّتُهُ صَحِيحَةٌ بِكِتَابَةٍ، أَوْ إشَارَةٍ كَالْبَيْعِ‏.‏

فَرْعٌ‏:‏

لَوْ قَالَ كُلُّ مَنْ ادَّعَى بَعْدَ مَوْتِي شَيْئًا أَعْطُوهُ لَهُ وَلَا تُطَالِبُوهُ بِحُجَّةٍ فَادَّعَى اثْنَانِ بَعْدَ مَوْتِهِ بِحَقَّيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْقَدْرِ وَلَا حُجَّةَ كَانَ كَالْوَصِيَّةِ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ، فَإِنْ ضَاقَ عَنْ الْوَفَاءِ قُسِمَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ، وَلَوْ قَالَ الْمَرِيضُ مَا يَدَّعِيهِ فُلَانٌ فَصَدِّقُوهُ فَمَاتَ، فَهُوَ إقْرَارٌ بِمَجْهُولٍ، وَتَعْيِينُهُ لِلْوَرَثَةِ‏.‏

المتن‏:‏

وَإِنْ أَوْصَى لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْفُقَرَاءِ لَزِمَتْ بِالْمَوْتِ بَلَا قَبُولٍ، أَوْ لِمُعَيَّنٍ اُشْتُرِطَ الْقَبُولُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَإِنْ أَوْصَى لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ‏)‏ بِأَنْ أَوْصَى لِجِهَةٍ عَامَّةٍ ‏(‏كَالْفُقَرَاءِ‏)‏ أَوْ لِمُعَيَّنٍ غَيْرِ مَحْصُورٍ كَالْهَاشِمِيَّةِ وَالْمُطَّلِبِيَّةِ ‏(‏لَزِمَتْ بِالْمَوْتِ بَلَا‏)‏ اشْتِرَاطِ ‏(‏قَبُولٍ‏)‏ لِتَعَذُّرِهِ، وَيَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ وَلَا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَشْعَرَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى لِفُقَرَاءِ بَلْدَةٍ وَكَانُوا مَحْصُورِينَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ قَبُولُهُمْ كَالْمُعَيَّنِ وَهُوَ كَذَلِكَ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَوْصَى ‏(‏لِمُعَيَّنٍ‏)‏ مَحْصُورٍ كَزَيْدٍ ‏(‏اُشْتُرِطَ الْقَبُولُ‏)‏ كَالْهِبَةِ، فَلَوْ قَبِلَ بَعْضَ الْمُوصَى بِهِ فَفِيهِ احْتِمَالَانِ لِلْغَزَالِيِّ وَنَظِيرُهُ الْهِبَةُ وَقَدَّمْتُ فِي بَابِهَا أَنَّهُ يَصِحُّ كَمَا رَجَّحَهُ بَعْضُ الْيَمَانِيِّينَ فَكَذَا هُنَا خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْبَيْعِ فِيمَا إذَا قَبِلَ بَعْضَهُ حَيْثُ لَمْ يَصِحَّ أَنَّ الْبَيْعَ فِيهِ الْمُعَاوَضَةُ فَلَمْ يُغْتَفَرْ فِيهِ مَا اُغْتُفِرَ فِيهِمَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

دَخَلَ فِي الْمُعَيَّنِ الْمُتَعَدِّدُ الْمَحْصُورُ كَبَنِي زَيْدٍ فَيَتَعَيَّنُ قَبُولُهُمْ، وَيَجِبُ اسْتِيعَابُهُمْ وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ، وَلَوْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ قَبِلَ لَهُ وَلِيُّهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْمُعَيَّنِ الْآدَمِيَّ‏.‏ أَمَّا لَوْ كَانَتْ لِمُعَيَّنٍ غَيْرِ آدَمِيٍّ كَمَسْجِدٍ فَهَلْ نَقُولُ‏:‏ نَاظِرُ الْوَقْفِ كَالْوَلِيِّ أَوْ يَكُونُ كَالْوَصِيَّةِ لِجِهَةٍ عَامَّةٍ‏؟‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ لَمْ يَحْضُرْنِي فِيهِ نَصٌّ وَالثَّانِي أَقْرَبُ، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى لِلْخَيْلِ الْمُسَبَّلَةِ بِالثُّغُورِ وَنَحْوِ ذَلِكَ‏.‏ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ‏:‏ لَا بُدَّ مِنْ قَبُولِ قَيِّمِ الْمَسْجِدِ فِيمَا نَظُنُّهُ‏.‏ ا هـ‏.‏

وَهَذَا كَمَا قَالَ شَيْخِي أَوْجَهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ الْقَبُولُ اللَّفْظِيُّ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ بَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ الِاكْتِفَاءَ بِالْفِعْلِ وَهُوَ الْأَخْذُ كَالْهَدِيَّةِ قَالَ‏:‏ وَمَحَلُّ اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ مِنْ الْمُعَيَّنِ فِي غَيْرِ الْعِتْقِ، فَلَوْ قَالَ‏:‏ أَعْتِقُوا عَبْدِي بَعْدَ مَوْتِي لَمْ يَفْتَقِرْ إلَى قَبُولِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقًّا لَلَهُ تَعَالَى فَكَانَ كَالْجِهَةِ الْعَامَّةِ، وَمِثْلُهُ التَّدْبِيرُ، وَإِذَا قُلْنَا‏:‏ إنَّهُ وَصِيَّةٌ، أَيْ عَلَى رَأْيٍ فَإِنَّهُ يَتَنَجَّزُ بِالْمَوْتِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى قَبُولٍ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى رَهْنِ الْمُدَبَّرِ‏.‏ نَعَمْ لَوْ قَالَ‏:‏ أَوْصَيْت لَهُ بِرَقَبَتِهِ فَفِي افْتِقَارِ الْقَبُولِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا نَعَمْ؛ لِاقْتِضَاءِ الصِّيغَةِ الْقَبُولَ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ قُبَيْلَ الْمَسَائِلِ الْحِسَابِيَّةِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَا يَصِحُّ قَبُولٌ وَلَا رَدٌّ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي، وَلَا يُشْتَرَطُ بَعْدَ مَوْتِهِ الْفَوْرُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَا يَصِحُّ قَبُولٌ وَلَا رَدٌّ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي‏)‏ إذْ لَا حَقَّ لَهُ قَبْلَ الْمَوْتِ فَأَشْبَهَ إسْقَاطَ الشُّفْعَةِ قَبْلَ الْبَيْعِ فَلِمَنْ قَبِلَ فِي الْحَيَاةِ الرَّدُّ بَعْدَ الْمَوْتِ وَبِالْعَكْسِ، وَيَصِحُّ الرَّدُّ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْقَبُولِ لَا بَعْدَهُمَا وَبَعْدَ الْقَبْضِ‏.‏ وَأَمَّا بَعْدَ الْقَبُولِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ، فَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا‏.‏ وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ إنَّهُ الْمُفْتَى بِهِ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ، وَإِنْ صَحَّحَ الْمُصَنِّف فِي تَصْحِيحِهِ الصِّحَّةَ‏.‏ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ إنَّهُ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ مِلْكَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَتِمَّ، قَالَ‏:‏ وَلَعَلَّ الرَّافِعِيَّ تَبِعَ الْبَغَوِيَّ فِي التَّرْجِيحِ ‏(‏وَلَا يُشْتَرَطُ بَعْدَ مَوْتِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُوصِي ‏(‏الْفَوْرُ‏)‏ فِي الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ الْفَوْرَ إنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي الْعُقُودِ النَّاجِزَةِ الَّتِي يُعْتَبَرُ فِيهَا ارْتِبَاطُ الْإِيجَابِ بِالْقَبُولِ إذْ لَوْ اُعْتُبِرَ لَاعْتُبِرَ الْإِيجَابُ وَلِلْوَارِثِ مُطَالَبَةُ الْمُوصَى لَهُ بِالْقَبُولِ أَوْ الرَّدِّ، فَإِنْ امْتَنَعَ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالرَّدِّ‏.‏ هَذَا إذَا كَانَ الْمُوصَى لَهُ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ، فَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَامْتَنَعَ الْوَلِيُّ مِنْ الْقَبُولِ وَكَانَ الْحَظُّ لَهُ فِيهِ، فَالْمُتَّجَهُ أَنَّ الْحَاكِمَ يَقْبَلُ، وَلَا يُحْكَمُ بِالرَّدِّ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي السَّفِيهِ، وَمِثْلُهُ بَقِيَّةُ الْمَحَاجِيرِ‏.‏

المتن‏:‏

فَإِنْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَهُ بَطَلَتْ أَوْ بَعْدَهُ فَيَقْبَلُ وَارِثُهُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏فَإِنْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَهُ‏)‏ أَيْ الْمُوصِي ‏(‏بَطَلَتْ‏)‏ أَيْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا قَبْلَ الْمَوْتِ غَيْرُ لَازِمَةٍ فَبَطَلَتْ بِالْمَوْتِ كَمَا لَوْ مَاتَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ قَبْلَ الْقَبُولِ ‏(‏أَوْ‏)‏ مَاتَ ‏(‏بَعْدَهُ‏)‏ قَبْلَ قَبُولِهِ وَرَدِّهِ ‏(‏فَيَقْبَلُ وَارِثُهُ‏)‏ الْوَصِيَّةَ أَوْ يَرُدُّ؛ لِأَنَّهُ فَرْعُهُ فَقَامَ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ لَدَخَلَتْ صُورَةُ الرَّدِّ‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

لَيْسَ لَنَا عَقْدٌ لَا يَفُوتُ بِمَوْتِ الْقَابِلِ إلَّا الْوَصِيَّةَ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ أَوْصَى لِرَقِيقٍ شَخْصٌ ثُمَّ مَاتَ الرَّقِيقُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَقَبْلَ الْقَبُولِ، فَإِنَّ سَيِّدَهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْقَبُولِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

شَمِلَ إطْلَاقُ الْوَارِثِ الْوَارِثَ الْخَاصَّ، وَالْوَارِثَ الْعَامَّ حَتَّى لَوْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَارِثٍ خَاصٍّ قَامَ الْإِمَامُ مَقَامَهُ، فَإِذَا قَبِلَ كَانَ الْمُوصَى بِهِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَبِهِ صَرَّحَ الدَّبِيلِيُّ وَإِذَا قَبِلَ وَارِثُهُ هَلْ يَقْضِي مِنْهُ دَيْنَ مُورَثِهِ‏؟‏ فِيهِ وَجْهَانِ‏:‏ أَصَحُّهُمَا نَعَمْ كَدِيَتِهِ فَإِنَّهُ يَقْضِي مِنْهَا دُيُونَهُ، وَإِنْ قُلْنَا‏:‏ إنَّهَا تَثْبُتُ لِلْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً وَلَا يُخَالِفُ قَبُولُ الْمُوصَى لَهُ قَبُولَ وَارِثِهِ إلَّا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي الشَّامِلِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِوَلَدِهِ فَإِنَّهُ إذَا قَبِلَ عَتَقَ عَلَيْهِ وَوَرِثَهُ، وَإِذَا قَبِلَ وَارِثُهُ عَتَقَ وَلَمْ يَرِثْ إذْ لَوْ وَرِثَ لَاعْتُبِرَ قَبُولُهُ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ؛ لِأَنَّا لَمْ نَحْكُمْ بِحُرِّيَّتِهِ قَبْلَ الْقَبُولِ بَلْ هُوَ عَلَى الرِّقِّ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ قَبُولُهُ فَلَا يَرِثُ‏.‏ أَمَّا إذَا مَاتَ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ قَبُولِهِ فَقَدْ مَلَكَهَا وَانْتَقَلَتْ إلَى وَارِثِهِ سَوَاءٌ أَقَبَضَهَا أَمْ لَا أَوْ بَعْدَ الرَّدِّ بَطَلَتْ بِرَدِّهِ‏.‏

المتن‏:‏

وَهَلْ يَمْلِكُ الْمُوصَى لَهُ بِمَوْتِ الْمُوصِي أَمْ بِقَبُولِهِ أَمْ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ قَبِلَ بَانَ أَنَّهُ مَلَكَ بِالْمَوْتِ، وَإِلَّا بَانَ لِلْوَارِثِ أَقْوَالٌ أَظْهَرُهَا الثَّالِثُ، وَعَلَيْهَا تُبْنَى الثَّمَرَةُ، وَكَسْبُ عَبْدٍ حَصَلَا بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْقَبُولِ، وَنَفَقَتُهُ وَفِطْرَتُهُ، وَنُطَالِبُ الْمُوصَى لَهُ بِالنَّفَقَةِ إنْ تَوَقَّفَ فِي قَبُولِهِ وَرَدِّهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَهَلْ يَمْلِكُ الْمُوصَى لَهُ‏)‏ الْوَصِيَّةَ ‏(‏بِمَوْتِ الْمُوصِي‏)‏ كَالْإِرْثِ وَالتَّدْبِيرِ‏.‏ وَلَكِنْ إنَّمَا تَسْتَقِرُّ بِالْقَبُولِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْعِرَاقِيُّونَ ‏(‏أَمْ بِقَبُولِهِ‏)‏ أَيْ الْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِعَقْدٍ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ كَالْبَيْعِ ‏(‏أَمْ‏)‏ مِلْكُ الْوَصِيَّةِ ‏(‏مَوْقُوفٌ‏)‏ وَبَيَّنَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ ‏(‏فَإِنْ قَبِلَ‏)‏ الْمُوصَى لَهُ ‏(‏بَانَ أَنَّهُ مَلَكَ‏)‏ الْوَصِيَّةَ ‏(‏بِالْمَوْتِ، وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَقْبَلْهَا ‏(‏بَانَ‏)‏ أَنَّهَا ‏(‏لِلْوَارِثِ أَقْوَالٌ أَظْهَرُهَا الثَّالِثُ‏)‏ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ لِلْمَيِّتِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ وَلَا لِلْوَارِثِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ إلَّا بَعْدَ الْوَصِيَّةِ وَالدَّيْنِ وَلَا لِلْمُوصَى لَهُ، وَإِلَّا لَمَا صَحَّ رَدُّهُ كَالْإِرْثِ فَتَعَيَّنَ وَقْفُهُ، فَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِمَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقَبُولُ بَلْ لَهُ الرَّدُّ، وَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ حَتَّى يَقْبَلَ الْوَصِيَّةَ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ يُعْتَرَضُ عَلَى الْمُصَنِّف بِأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقُولَ أَوْ بِقَبُولِهِ؛ لِأَنَّ صِنَاعَةَ الْعَرَبِيَّةِ تَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا سُئِلَ بِهَلْ أَنْ يُؤْتَى بِأَوْ، لَا بِأَمْ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ تَسَمَّحَ كَالْفُقَهَاءِ بِوَضْعِ هَلْ مَوْضِعَ الْهَمْزَةِ فِي مَحَلٍّ يَكُونُ فِيهِ السُّؤَالُ عَنْ التَّعْيِينِ كَمَا هُنَا بِخِلَافِ هَلْ، فَإِنَّ السُّؤَالَ بِهَا فِي الْأَصْلِ عَنْ وُجُودِ أَحَدِ الْأَشْيَاءِ ‏(‏وَعَلَيْهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ ‏(‏تُبْنَى الثَّمَرَةُ وَكَسْبُ عَبْدٍ‏)‏ مَثَلًا ‏(‏حَصَلَا بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْقَبُولِ وَنَفَقَتُهُ‏)‏ وَكِسْوَتُهُ وَنَحْوهُمَا ‏(‏وَفِطْرَتُهُ‏)‏ بَيْنَهُمَا، فَعَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّالِثُ لِلْمُوصَى لَهُ الْفَوَائِدُ وَعَلَيْهِ الْمُؤْنَةُ، وَعَلَى الثَّانِي لَا وَلَا، وَلَوْ رَدَّ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَهُ وَعَلَيْهِ مَا ذُكِرَ، وَعَلَى الثَّانِي وَالثَّالِثِ لَا وَلَا، وَعَلَى النَّفْيِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ يَتَعَلَّقُ مَا ذُكِرَ بِالْوَارِثِ، هَذَا كُلُّهُ فِي وَصِيَّةِ التَّمْلِيكِ‏.‏ أَمَّا لَوْ أَوْصَى بِإِعْتَاقِ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ بَعْدَ مَوْتِهِ فَالْمِلْكُ فِيهِ لِلْوَارِثِ إلَى عِتْقِهِ قَطْعًا كَذَا قَالَاهُ فَتَكُونُ الْأَكْسَابُ لَهُ وَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِ‏.‏ لَكِنْ قَالَ الرُّويَانِيُّ‏:‏ قِيلَ إنَّهَا عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمُوصَى لَهُ وَالْأَصَحُّ الْقَطْعُ بِأَنَّهَا لِلْعَبْدِ لِتَقَرُّرِ اسْتِحْقَاقِهِ الْعِتْقَ بِخِلَافِ الْمُوصَى لَهُ فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ، وَبِمَا قَالَهُ جَزَمَ الْجُرْجَانِيِّ، وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلَوْ أَوْصَى بِوَقْفِ شَيْءٍ فَتَأَخَّرَ وَقْفُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلِمَنْ يَكُونُ رِيعُهُ‏؟‏ قِيلَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ لِلْوَارِثِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جُعِلَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ عَلَى تَقْدِيرِ حُصُولِ الْوَقْفِ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَهُوَ الْأَشْبَهُ‏.‏ وَقَالَ ابْنُ شُهْبَةَ‏:‏ وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ قَبْلَ الْعِتْقِ‏.‏ ا هـ‏.‏

وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ أَوْ مُعَيَّنٍ غَيْرِ مَحْصُورٍ كَبَنِي هَاشِمٍ فَإِنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِيهَا لِقَبُولٍ‏.‏ أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ مَحْصُورٍ‏.‏ فَكَلَامُ الْأَذْرَعِيِّ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ، وَلَوْ أَوْصَى بِأَمَتِهِ لِزَوْجِهَا فَقَبِلَ الْوَصِيَّةَ تَبَيَّنَ انْفِسَاخُ النِّكَاحِ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ وَإِنْ رَدَّ اسْتَمَرَّ النِّكَاحُ، وَإِنْ أَوْصَى بِهَا لِأَجْنَبِيٍّ وَالزَّوْجُ وَارِثُ الْمُوصِي وَقَبِلَ الْأَجْنَبِيُّ الْوَصِيَّةَ لَمْ يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ وَإِنْ رَدَّ انْفَسَخَ، هَذَا إنْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ، فَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْهُ أَوْ أَوْصَى بِهَا لِوَارِثٍ آخَرَ، وَأَجَازَ الزَّوْجُ الْوَصِيَّةَ فِيهِمَا لَمْ يَنْفَسِخْ، وَإِلَّا انْفَسَخَ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ يُعْتَرَضُ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِتَعْرِيفِ الثَّمَرَةِ وَتَنْكِيرِ كَسْبٍ، وَجَمْعِهِمَا فِي ضَمِيرِ حَصَلَا مَعَ أَنَّ الْأَوَّلَ يَطْلُبُهُ حَالًا وَالثَّانِي يَطْلُبُهُ صِفَةً‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ التَّعْرِيفَ فِي الثَّمَرَةِ لِلْجِنْسِ، وَالْمُعَرَّفُ بِأَلْ الْجِنْسِيَّةِ فِي الْمَعْنَى كَالنَّكِرَةِ فَلَيْسَ طَلَبُ الثَّمَرَةِ وَكَسْبٌ حِينَئِذٍ مِنْ جِهَتَيْنِ، بَلْ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ ‏(‏وَنُطَالِبُ‏)‏ بِالنُّونِ أَوَّلَهُ بِخَطِّهِ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ ‏(‏الْمُوصَى لَهُ‏)‏ بِالْعَبْدِ أَيْ‏:‏ يُطَالِبُهُ الْوَارِثُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَيْ‏:‏ أَوْ الْقَائِمُ مَقَامَهُ مِنْ وَلِيٍّ وَوَصِيٍّ ‏(‏بِالنَّفَقَةِ‏)‏ وَسَائِرِ الْمُؤَنِ ‏(‏إنْ تَوَقَّفَ فِي قَبُولِهِ وَرَدِّهِ‏)‏ كَمَا لَوْ امْتَنَعَ مُطَلِّقُ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ مِنْ التَّعْيِينِ، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ أَوْ يَرُدَّ خَيَّرَهُ الْحَاكِمُ بَيْنَ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَكَمَ بِالْبُطْلَانِ كَالْمُتَحَجِّرِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِحْيَاءِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

اُسْتُشْكِلَ مُطَالَبَةُ الْمُوصَى لَهُ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فَإِنَّهُ قَدْ مَرَّ أَنَّ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقَبُولِ لِلْوَارِثِ، وَقِيلَ لِلْمَيِّتِ‏:‏ كَيْفَ يُكَلَّفُ بِالنَّفَقَةِ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ‏.‏ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ‏:‏ إنَّ الْمُطَالَبَةَ مُفَرَّعَةٌ عَلَى أَنَّهُ مَلَكَهُ بِمَوْتِ الْمُوصِي، صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ، وَبَحَثَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى قَوْلِ الْوَقْفِ أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَيْهِمَا فِي زَمَنِ الْوَقْفِ أَيْ‏:‏ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُطَالَبَةِ حَالًا‏.‏ أَمَّا النِّسْبَةُ لِمَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ، فَهِيَ عَلَى الْمُوصَى لَهُ، إنْ قَبِلَ، وَعَلَى الْوَارِثِ إنْ رَدَّ‏.‏